قرأ عن فقد الأحبة كثيرا، ولا يحب الكتابة عنه، وبعد أن كتب، قرأ لواحد ممن يحبهم ويعشق حروفهم أن صديقه سأله في أثناء حزنه على موت أحد أساتذته: هل هذه أول مرة تعايش فيها الموت؟. ثم أضاف صاحب القلم الجميل بأنه بكى على (جده) وكان طفلًا لم يستغرقه الحزن كما يستغرق الكبار؛ فكان يسيرًا إلهاؤُه وإنساؤُه، لكن الحزن ليس يومًا يمضي فينقضي أو لحظةً تومض ثم تنقبض.
وهنا يريد صاحبكم أن يشرك القارئ الكريم في الاطلاع على رسالته (الواتسية) التي أودعها جوال د. محمد القنيبط حينما فقد والدته وأودعها الثرى عصر يوم الأربعاء 4 جمادى الأولى 1438 ، بعنوان «وداعا (أمي) الحبيبة».
أخي العزيز أبو حمد : على مدى سنين عديدة، كان أخوك يتتبع حروفك أينما كانت، يقرؤها مرة ومرتين، لم يتجرأ يوما أن يعقب على مقال إلا مرة واحدة، ومع ذلك كان يبوح بإعجابه وتعجبه، واليوم يتجرأ ويستأذنك ليكتب إليك حروفا تمشي الهوينا عسى أن تلج فؤادك، وأنا - يعلم الله - أحمل لك في نفسي مودة وتقديراً خاصاً..
يكتب أخوك لك وعنك هذه الحروف، وهو للتو خرج من مقبرة النسيم، بعد أن صلى مع جموع المسلمين على غاليتك (موضي العليان) ثم قدم عزاءه لك، وما زالت صورة أخيه الأكبر (أبو حمد) مستقرة في ذهنه لا تفارق خياله، وهو جاث على قبر (حبيبته) وفقيدته ينثر دموعه ويدفع بدعواته للخالق بالمغفرة والرحمة.
يكتب إليك أخوك لتقرأ حروفه متأملا لا متألما، وهو يرجو ثواب ربه في تعزيتك وتسليتك، ويكفيه أنه يدعو لوالديه ووالدتك بالعفو والمغفرة ،، وما عند الله خير وأبقى...
أبا حمد :،حينما يكتب الإنسان عن فقد (الوالدة) فإنما يكتب عن (أمه)، فالأم ياسيدي هي الأم في كل بيت وزمان ومكان. لقد اعتدنا نحن الأولاد (ونحن آباء) أن نجد الأنس والحنان عند أمهاتنا.. وحينما تغيب عنا (الوالدة) ، يغيب الفضل والبركة، ولكنها حكمة الله، ثم إن رحمة الله واسعة. أعرف يا حبيبنا أن فقد غاليتك ليس أمرا هينا، وأدرك أن ظهر الأربعاء 4 جمادى الأولى 1438 الموافق 1 فبراير 2017م، لم يكن اعتياديا.
ليت الذين أحبهم علموا
وهمو هنالك ما لقيت هنا
ماكنت أحسبني مفارقهم
حتى تفارق روحي البدنا
نودي للصلاة على الأموات.. ثم قال الإمام:
الله أكبر الله أكبر الله أكبر.. وكان الدعاء لهم جميعا، الله أكبر.. ثم السلام.
لا ألومك - والله أرحم بعباده من الخلق بأنفسهم - أن يطوف بك الخيال، وأمام عينيك كل لقاءاتك مع سيدة قلبك، ومأوى فؤادك، وحنان جنبيك. تتذكر أيامك حين كنت أنت معها ، ثم تذكر أيامها حين أصبحت هي عندك ومعك!.
يا الله، ما أقسى هذه الدنيا حين نودع فيها من نحبهم ونقدرهم. وما أشد الليالي والأيام حين نشعر بالتقصير في حق من نكن لهم الحب والمحبة. ما يؤلمنا جميعا أننا لا يمكن أن ننسى مسلسل اللقاءات، وكيف ننسى الاحتفاء والحفاوة رغم التعب والإعياء؟! لاينسى أحدنا، ولن ينسى فضل أمه وحنوها وبرها وإحسانها وشفقتها..
أبا حمد:
تذكر أن الله أرحم بعباده من الأم بولدها، فلا تملك أنت إلا الصبر والدعاء لها بالرحمة والمغفرة، وبذل المعروف والصدقة.. رحمك الله أيها الوالدة الغالية (موضي العليان)، وجعل الجنة مثواك، وجمعك بمن تحبين في أعالي الجنان..
آه على الحروف حين تحاول الوصل، وتعجز عن المواصلة، وهنا يعتذر أخوك عن توقف حروفه وسكونها، لكن الدعوات لن تتوقف لوالدينا بالرحمة والمغفرة، وأن يجمعنا بهم في مستقر رحمته..
اللهم آمين..
- فهد العليان