بينما كنّت مع إخوتي في قسم العناية المركزة بمستشفى الملك فهد المركزي بجازان لمرافقة أمّي ـ رحمها الله وغفر لها ـ التي وافاها الأجل ظهر يوم الأحد الموافق 24-4-1438هـ تلقينا في مساء يوم الخميس الموافق 7-4-1438هـ خبر وفاة الوالد العزيز الشيخ محمد بن علي بن عبدالله السويلم ، وكان نبأ وفاته محزنا لقلوبنا مؤثرا في نفوسنا، ونملك أن نقول إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم اجبرنا في مصيبتنا واخلفنا خيرا منها، وذلك لما بين سعادة الشيخ محمد السويلم وبين فضيلة سيدي الوالد الشيخ عمر بن أحمد جردي المدخلي المتوفى عام 1429هـ من الصداقة والمحبة في الله والمودَّة فيه، والتزاور والتشاور في أمور كثيرة للمساهمة في الأعمال الخيرية، وكان مبدأ التعارف بينهما زيارة لمنطقة جازان قام بها الشيخ الفاضل محمد الصالح العمرو الظفير رحمه الله، وهو من أهالي البكيرية بمنطقة القصيم تعرّف فيها على سيدي الوالد رحمه الله في مدينة صامطة، وكان العمرو يبحث عن أقارب امرأة من قبيلة بني المبارك التي كان قد تزوجها قديما رجل من القصيم وتوفي وتحصل لها مبلغ من الميراث أظنه أربعمائة ريال أو نحوها، فدله الوالد على ذويها، وسلمهم المبلغ بواسطة والدي.
ثم توطدت بينهما العلاقة والمعرفة والزيارات الودية، وبدءا في عمل المشاريع الخيرية، ومنها بناء المساجد في منطقة جازان، وبالذات في الجزء الجنوبي منها، فكان الممول لأغلب تلك المشاريع هو الشيخ محمد السويلم، والوسيط هو الشيخ العمرو، وكان سيدي الوالد هو المشرف على التنفيذ والمتابعة لجميع مراحل العمل، بدايةً من البحث عن الأماكن المحتاجة، ثم تأمين الأرض المناسبة، ثم استخراج التراخيص اللازمة، وعمل عروض الأسعار، ثم ترسية المشروع، وتوقيع العقود، ثم الإشراف على مراحل التنفيذ بواسطة مهندسين فنيين ـ أذكر منهم المهندس المصري سليمان عبدالرحمن سليمان ـ وانتهاءً بمرحلة التسليم والفرش وتركيب الصوتيات، وتوصيل الماء والكهرباء، ويساعد سيدي الوالد في كل ذلك أخي الدكتور عبدالله، كل ذلك احتسابا منهما لوجه الله تعالى وابتغاء الأجر منه.
فكانا يجلسان بعد العصر وبعد المغرب يراجعان بنود العقود، والمخططات، وحساب الكميات، واعتماد العينات، والتفاوض مع المقاولين، ويراجعان تقارير الإنجاز، ويعالجان المشكلات الطارئة.
وكان الشيخ محمد السويلم يقوم بين الحين والآخر بزيارة منطقة جازان لتفقد تلك المشاريع وهي في مراحل التنفيذ، فيأتي عن طريق البرّ برفقة الشيخ محمد الصالح العمرو، ومعهم مرافقين، لاأعرف منهم إلا الرجل الصالح الشيخ عبدالله السلطان فقد جاء معهم ذات مرة، ولا يأتون إلى أحد في منطقة جازان سوى سيدي الوالد، فكان يستقبلهم في منزله بصامطة، ويكرمهم، ويحتفي بهم، ويمرون على تلك المشاريع الخيرية، وفي بعض الأوقات كان الوالد يدعوهم للزيارة إما لاستلام مشروع تم الانتهاء منه، وإما لطلب الرأي والمشورة في أمر من أمور تلك المشاريع الخيرية.
وكان صديق الوالد الشيخ يحيى دوم المدخلي رحمه الله يحضر عندنا في البيت غالب تلك الزيارات، وكنت أسمعهم وهم يتحدثون في مجلس الوالد عن الأولين ويذكرون مآثرهم وقصصهم في الشهامة والكرم والصدق والوفاء، وربما ذكروا بعض الأشعار، وكان الشيخ السويلم يشارك بذكر حكايات ذات دلالات كبيرة، ويذكر من مآثرهم الحسنة البديعة وأخبارهم الجميلة، رحمة الله على الجميع.
وكذلك كان سيدي الوالد يزور أصدقاءه في القصيم، وقد ذهب ذات مرة بالسيارة للقصيم عن طريق الرياض يرافقه بعض إخواني، لزيارة الشيخ السويلم والشيخ العمرو فاحتفيا بالوالد أشدّ الحفاوة، وأقاما له أكبر الموائد، ودعوا وجهاء القوم وعلّيتهم، وأنسوا به كثيرا وفرحوا.
وقد شملت تلك المساجد التي بنيت على نفقة الشيخ السويلم عددا من المدن والقرى الآهلة بالسكان، وغالبها تقام فيها صلاة الجمعة، وليس فيها شيء من مساجد الطرقات.
ومن تلك المساجد:
جامع قرية الخوجرة التابعة لمحافظة الطوال.
جامع قرية البدوي التابعة لمحافظة صامطة ثم ضاق هذا الجامع بالمصلين فتمت توسعته مره ثانية، ثم تمت توسعته أيضاً مره ثالثة، وكانت أرضية هذا المسجد جزءا من أوقاف والدي وعمّي رحمهما الله.
مسجد حارة الحسنية بوسط مدينة صامطة.
مسجد قرية الدغارير التابعة لمحافظة صامطة.
جامع قرية مختارة التابعة لمحافظة صامطة، ثم تمت توسعته مرة أخرى.
جامع قرية الحقلة التابعة لمحافظة صامطة، وتمت توسعته مرة أخرى.
جامع قرية أم التراث التابعة لمحافظة صامطة.
جامع قرية اللقية التابعة لمحافظة صامطة.
جامع قرية الشمهانية التابعة لمحافظة صامطة.
جامع قرية الدريعية التابعة لمحافظة صامطة.
وغيرها مما لا أستحضره الآن، وغالب هذه القرى تقع على الحدود السعودية، وقد سجّلت ولازالت تسجل ملاحم البطولة والوفاء والولاء، وقدمت ولا زالت تقدم الشهداء الأبطال الذين ضحوا بأرواحهم في سبيل الله، دفاعا عن هذا البلد ومقدساته، وردعا للأعداء المعتدين، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وفقه الله، ووفق ولي عهده، وولي ولي العهد.
وكل هذه الجوامع والمساجد التي بناها الشيخ السويلم قد تمّ بناؤها على الطراز الحديث المسلح، مع مرافقها من منارة، ودورات مياه، ومصلى نساء في بعضها، وأسوار خارجية.
ومن الأعمال الخيرية، ما كان يرسله الشيخ محمد السويلم رحمه الله من مبالغ مالية عبارة عن زكوات لتوزيعها على الفقراء والمساكين بواسطة سيدي الوالد، فكان سيدي الوالد يعد لها البيانات، ويهتمّ بها، ويجتهد في توزيعها على مستحقيها.
وفي السنوات الأخيرة كان الشيخ محمد السويلم يرسل كميات من التمور سنويا لتوزيعها على الفقراء والمساجد التي فيها إفطار للصائمين وذلك قبل إنشاء مؤسسة محمد العلي السويلم الخيرية، ثم بعد إنشاء المؤسسة كان يرسل تلك التمور بواسطة أخي الدكتور عبد الله الأمين العام لجمعية البر الخيرية بمحافظة صامطة.
وبهذه اللمحة الوجيزة عن الشيخ محمد السويلم نكون قد شاركنا ولو بجزء يسير في انتظام العقد المرصع بمآثره الجميلة وأعماله الجليلة مع ما كتبه البعض عن الشيخ رحمه الله ووصفوه بأنه:( ابن عنيزة البار)، بل حُقّ لنا أن نقول بأن الشيخ محمد العلي السويلم رحمه الله أيضا هو (ابن الحدّ الجنوبي البار)، بل (ابن الوطن البار).
أخيرا نعزّي أنفسنا في وفاة والد الجميع الشيخ محمد العلي السويلم ونتقدم بالمواساة والتعزية لإخواننا الأفاضل، أولاد الشيخ العزيز، كل من: علي وعبدالله وصالح وسويلم وعبدالعزيز وعبدالرحمن وعمران وأسامة ومساعد وعثمان، وكافة الأسرة المباركة، وأتمنى من المهندس علي بن محمد السويلم وهو من الأبناء البارين بوالدهم أن يوثق جهود والده الخيرية في الحدّ الجنوبي من منطقة جازان، ويتعهدها بالإصلاح والترميم، وأنا واخوتي على أتم الاستعداد للتعاون في ذلك برّا بوالدي ووفاء لما بينهما من الأخوة الصادقة القائمة على البر والتقوى. رحم الله والدينا وغفر لهم ورفع درجاتهم في عليين وجمعنا بهم في الفردوس الأعلى.
د. عبدالرحمن المدخلي - أمين الكراسي العلمية - أستاذ السُنّة وعلومها المشارك بكلية الشريعة والقانون بجامعة جازان