«الجزيرة» - المحرر التشكيلي:
أطلقت مؤسسة الشارقة للفنون منصة نشر إلكترونية حملت اسم «تماوج»، وأتت هذه الخطوة ضمن المشروعات المصاحبة لبينالي الشارقة 13 إذ ستكون هذه المنصة مساحة لنشر سلسلة متواصلة من المقالات والصور وأعمال الفيديو والكتابات التجريبية والنصوص وغيرها من المواد السمعية - البصرية المتعلقة بثيمات بينالي الشارقة لهذا العام وهي: ماء، محاصيل، أرض، وطهي.
كما صدر ضمن «تماوج» العدد الأول من نشرة «الملخص الرقمي» متناولة «الماء» أولى ثيمات البينالي مسلطة الضوء على ما حمله أول المشروعات الأربعة الموازية للبينالي «يحيا استقلال المياه» الذي أقيم في «جامعة الشيخ أنتا ديوب» في داكار، السنغال.
ومن المقرر أن تصدر ثلاثة أعداد أخرى تتناول باقي الكلمات المفتاحية للبينالي ألا وهي: محاصيل وأرض وطهي.
أوردت النشرة ضمن افتتاحية عددها الأول «اليوم، يثبتُ العلم انهيار الغلاف الحيوي لكوكب الأرض. معظم الحكومات تصارع لإدارة دولٍ متزعزعة وغير ثابتة سياسياً. الاعتداءات المأساوية والحوادث الكارثية المتواصلة تقترب من منازلنا أكثر فأكثر. الشعور بخطر الهلاك الذي يلازمنا ويضيّق علينا الخناق من كل جانب، ليس صنيع صور خاطئة عن العالم. إنما هي صور وأحداث حقيقية. غير أن الترابط والتواصل فيما بينها قد يكون مضلّلاً وخادعاً».
ومن الجدير بالذكر أن طاقم تحرير منصة «تماوج» مؤلف عمر برادة، وأمل عيسى، وبراين كوان وود، وكايلين ويلسون ـ غولدي.
وقد تضمنت النشرة الأولى من «الملخص الرقمي» 4 أوراق بحثية وهي: «الماء والهالة في التاريخ والمخيال بغرب أفريقيا» للأكاديمي السنغالي إبراهيما وان، و»أروع عجائب البحر العميق هي قساوته التي لا قعر لها» للفيلسوفة الفرنسية من أصول فرنسية سلوى لوست بولبينة، و»حوارية الماء: على الطريق المؤدي إلى سطوة المال» للقيّمة والباحثة فيكتوريا إيفانوفا، و»الماء هو الموت» للفنان والقيّم الجزائري قادر عطية.
ويستعرض إبراهيما وان في «الماء والهالة في التاريخ والمخيال بغرب أفريقيا» دور الماء بوصفه مسرحاً يضج بالتاريخ وسريراً لمخيال خصب، يصلح سطحه كدعامة لتمثيلات أسطورية - دينية أدّت دوراً حاسماً في تطور البشرية، معتبراً العالم المائي جسراً بين الواقع واللاواقع يغذي المعتقدات والطقوس التي تؤطرهما والتطورات التي تحكم العلاقات والممارسات الاجتماعية.
ويورد الكاتب عدداً من الروايات الأسطورية التي ربطت من خلالها شعوب غرب أفريقيا ما بين شخصيات هامة والماء الذي يمتلك قدسية عالية في مرجعيتهم، إضافة لما تضمنه ذلك من عوالم أسطورية ومراحل تاريخية أفضت إلى نتاج فني وموسيقي هائل ومتنوع.
بينما قاربت سلوى لوست بولبينة في بحثها «أروع عجائب البحر العميق هي قساوته التي لا قعر لها» الهجرة غير الشرعية التي راح ضحيتها الآلاف، والتي صارت اليوم تجارة بحرية مزدهرة على نحو مأساوي. تناولت لوست في بحثها الطابع السياسي الذي تنطوي عليه تلك الحوادث مستعرضة عدة إحصائيات لأعداد الغرقى الذين قضوا نحبهم في تلك القوارب. مشيرةً إلى أن أولئك الذين نجوا تعجز أذهانهم عن نقل تفاصيل جغرافية تتوافق مع الخرائط البحرية والأرضية لرحلتهم بل تنقل إلينا مخيلتهم سبل تنقلهم ووسائل النقل التي اعتمدوها.
واقتبست بولبينة من أحد المقابلات الصحفية التي أجريت مع الفليسوف الفرنسي ميشال فوكو (1926 - 1984) والتي تنبأ خلالها بما أسماه «الهجرة الكبرى في القرن الواحد والعشرين» فقد رأى في عام 1979 أن اضطرابات ما بعد مرحلة الاستعمار ستؤدي إلى مشكلة الهجرة التي سيعاني منها ملايين الأشخاص.
مؤكداً أنها ستغدو بالضرورة أمراً مؤلماً ومأساوياً بحيث لا يمكن إلا أن يصاحبها الموت والتقتيل، وفي اقتباس لفوكو يرد ما يلي «أنا أخشى أن ما يحدث في فيتنام ليس جرحاً من رواسب الماضي، وإنما هو أمر ينبئ بالمستقبل»، مشيراً بذلك إلى حادثة وقعت عام 1979 تتمثل بإبحار 40 ألف فيتنامي في قوارب صغيرة من دون وجهة محددة، إضافة إلى 40 ألف كامبودي تم طردهم من تايلاند آنذاك.
ومن الجدير ذكره أن مشروع «يحيا استقلال المياه» ركّز على بُعدين رئيسيين للمياه هما البعد الثقافي المتمثل في استكشاف الشعر والسحر والمعتقدات الروحية، وآخر سياسي والذي يقدم الشؤون المتعلقة بالسلطة والسيطرة والاقتصاد والإرث الاستعماري والحداثويات المهيمنة، محاولاً تقديم مقاربات على اتصال بهذين البعدين. وقد أقيمت ورشة اليوم الأول في المشروع تحت عنوان «المعتقدات واللا معرفة» متناولة المياه بوصفها صلة وصل بين الروحانية التقليدية والمعتقدات العقلانية المعاصرة، وذلك عبر المعمار والسينما والصورة والنص، بما يتيح انفتاح البرنامج على مقترحات متعددة لتبادل المعرفة. بينما استعرضت ورشة اليوم الثاني التي حملت عنوان «الحياة اليومية للسيطرة السياسية على السيولة» الفهم السياسي والاجتماعي والتاريخي للمياه، مع التركيز بشكل خاص على الأبعاد الإثنية.