ثامر بن فهد السعيد
خلال السنوات الخمسة الماضية - وإن كان الوقت يجري سريعاً والتجارب في بداياتها - انطلقت مشاريع ومبادرات شابة بعدد لا بأس بها, منها ما تكلل بالنجاح وأصبحت كيانات لها سمعتها ومكانتها في العمل التجاري، ومنها انطلقت مبادرات دعم الرياديين, وكذلك مجالس شباب الأعمال في الغرف التجارية, وبدأ التمكين للشباب يزداد ويكبر من خلال البرامج التمويلية والتدريبية الداعمة لهذه المشاريع ولطموحات الشباب, وأصبح لدينا في المملكة شريحة من الكيانات الاقتصادية أو المنشآت الصغيرة والمتوسطة تحتاج إلى إرشاد وتذليل للمعوقات التي أمامها لتستطيع التحليق، سواء كانت هذه المعوقات في الإجراءات أو في الوصول إلى السوق أو المتابعة، فولدت الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة والتي ضمت في جنباتها ممارسين للأعمال التجارية والناشئة، وبالتالي فهم يفهمون بشكل أكبر المعوقات والصعوبات التي تواجه هذه الكيانات والعمل على حلها
رغم وجود البرامج الحكومية المعنية بتمويل المشاريع وقيامها بالدعم للتوسع أو للانطلاق، إلا أن هذه المشاريع والمبادرات ظلت تتحرك متأخرة خلف هذه المنشآت، ولعل أحد أهم الأسباب تشتت الجهود واختلاف التركيز والاهتمامات بين واضعي سياسات التمويل لكل جهة. وعسى أن تكون الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة المظلة الكبرى لاحتواء كافة الرامج الداعمة وتوحيد الجهود، وهذا بدوره سيوصلنا إلى نتائج ملموسة وكيانات تكبر وتنجح بدلاً من أن تندثر وسط تشتت الجهود. لم تكن هذه الجهات قبل مرنة في تتبع توجه المشاريع والسوق، وهذا ما كان له الدور في خلق صعوبات تواجه شباب الأعمال وأيضاً تقييد قدرتهم على اختراق السوق، وهذا التصلب خلق سوقاً أخرى لتمويل المشاريع عبر صفقات الاستثمار المباشر أو صفقات الاستثمار الخاصة من خلال شركات الاستثمار المرخصة من الهيئة ومكاتب الأعمال العائلية، وهذان الذراعان ساهما بشكل ملموس في توسع عديد من أصحاب الأعمال وزيادة حضورهم التجاري في السوق, هذا يحقق الفوز للجميع لصاحب المشروع وللمستثمر فيه.
راجت في السنوات الماضية الصفقات الخاصة وصفقات الاستثمار المباشر حتى صنعت من ملاك المشاريع نجوماً يشار إليهم، تبع هذا بسبب تقييم المشاريع والتباهي مبالغة في تقييم المشاريع والحصص المباعة منها والذي بدوره ولد في السوق قيماً غير حقيقة لمشاريع في بداية انطلاقتها وأرباحاً إما ضئيلة أو خاسرة، إلا أن هذه الفرص تسوق على التوقعات المستقبلية والقيمة المتوقعة لها مستقبلاً بحسب تقييمها المالي والمستقبلي، أي أن ملاك المشاريع الحاليين والشراكات تبيع نشأة المشروع وحاضره ومستقبله في صفقة واحدة لجهة أخرى، وهذا مكمن الخطر، فلو تجمدت الأموال في هذه المشاريع لأصبح التخارج قاتلاً في حال اتجاه المشروع في الاتجاه المعاكس.
أيضاً فإن أصحاب المشاريع يتحملون جزءاً من هذه المسئولية كون الرواج الكبير للصفقات الخاصة والاستثمار المباشر رفع كثيراً من توقعاتهم وتقديراتهم للمشاريع التي يديرونها، وعليه فإن المفاوضات مع ملاك المشاريع دائماً توصل بالتقييم إلى منطقة المبالغة، وهذا ما يصعب الوصول إلى اتفاق يفيد كل الأطراف المؤسس، الشريك وخطة التوسع. اليوم ونحن قريبون من إطلاق سوق نمو أصبح من الضروري جداً لملاك المشاريع النظر في عدالة التقييم وعدالة المطلوب والبعد عن التخارج بل بالتوسع لأسباب عدة أهمها أن نمواً سينافس سوق الملكيات الخاصة والاستثمار المباشر، وكذلك فإن المستثمر الممول ليس المخرج لجني النجاح وإنماء المدخل للتوسع بشكل أكبر ومدروس، وكذلك فإن الخطط المستقبلية للاقتصاد تواكب المنشاة التجارية المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، لذلك فإن الاتزان في التقييم والتوسع سيحافظ على بيئة الاستثمار في الملكية الخاصة والاستثمار المباشر خصبة وجاذبة بدلاً من اقترابها لخانة الغرور والتنفير. كذلك يجب علينا أن نتذكر أن النموذج المالي Financial model تقييمه يقوم على رأي معده وتقديره للمستقبل، فالرقم الذي يظهره هذا النموذج يفترض أيضاً تحقق بقية الظروف التي أوصلت المقيم والنموذج إلى هذه الأرقام.