إبراهيم الطاسان
كما بدأها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، حين وضع لبنتها الأولى ليرفع على قواعدها أعمدة مشهدها النهائي بالتصدي للدور الإيراني المزعزع للاستقرار السياسي والأمني للمنطقة العربية عامة والخليجية خاصة، بهبوب عاصفة حزم وحسم، وظف لها حكمة العقل، وتجارب التاريخ، والبصيرة النافذة والاستبصار المستشرف لآفاق المستقبل، وما ينطوي عليه من مخاطر محدقة محتملة في حال التأني والتروي بانتظار ظروف دولية مواتية. فلم تثن العزيمة حال العلاقات البينية المشوبة بالحذر وعدم اليقين بين واشنطن في عهد الرئيس المغادر لنهاية ولايته (أوباما) والذي كاد أن يعصف بتاريخ طويل من الثقة المتبادلة على مدى امتد منذ العام 1945م، حيث كان اللقاء التاريخي بين الملك المؤسس - طيب الله ثراه - والرئيس الأمريكي روزفلت. وبين عاصمة عواصم قرار حكمة العقل (الرياض) لا قرار رغبة العواطف. رغم تلك الظروف بين واشنطن والرياض، ورغم سطوة واشنطن على القرار الدولي.. صغرت تلك الظروف غير المواتية أمام عزيمة ملك الحزم بإعلان هبوب عاصفة الحزم بلسان ممثلها من واشنطن. فكأن المتنبي يعنيها حين قال:
عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ
وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ
وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها
وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ
فالحكمة والرؤية الثاقبة أدركت حجم الأخطار الفارسية المحدقة بالأمة العربية التي انتكس ما سموه بالربيع إلى دهر استغلته إيران لتنثر بين محركيه، وحركاته، بذور بضاعتها (الفتنة) التي تنقلها في زنابيل مليشيات الخيانة والعمالة كالحوثية، وهرار الضاحية الجنوبية، والحشود الشيعية. وإن الانتظار والتروي خيار الحكيم، ولكنه كان خيار مفضول أمام واقع يفرض الخيار الفاضل. فهبت عاصفة الحزم التي تداعت لها القلوب والمشاعر العربية بإعلان التأييد والمناصرة بالحلف الإسلامي الذي تجاوز 41 دولة.
وها هي وعما قريب - إن شاء الله - تشعل شموع النصر باستعادة الشرعية على الأرض اليمنية كاملة. ورمد الهزيمة والكمد قد أدمى جفون ملالي ظهران الفارسية واتباعها.وتتوجت بحكمة الحكيم باتفاق سطر (سيناريو) نهاية الرؤية، باتفاق نحي الشك باليقين، من خلال ما تسرب من لقاء تلفوني بين خادم الحرمين الشريفين والرئيس الأمريكي المنتخب في أول أيام ولايته بالاتفاق على مواجهة الإرهاب، والتصدي له، ولكل من يسعى لزعزعة أمن واستقرار المنطقة (ولا سواها إيران). وهذا الاتفاق دليل على أن البصيرة النافذة الحكيمة حينما توظف ظروف الحاضر وتجارب الماضي، تستشرف احتمالات المستقبل. فكانت رؤية القيادة السعودية لمستقبل العلاقة بين العاصمتين - الرياض واشنطن - أن مواجهة المخاطر مقدمة على مستوى العلاقة بين واشنطن والرياض، وأنها في النهاية علاقة محكومة بالمصالح المتبادلة، وليست محكومة بمزاجية وهوى الرئيس.. فكان العزم والحزم هما حزام البطل.