حاوره - محمد المرزوقي / عدسة - محمد المرزوقي:
وصف الدكتور الشاعر المغربي أحمد الحريشي، في حديثه لـ«الجزيرة» أن لقاءه بخادم الحرمين الشريفين تعد اللحظات الفارقة في حياته عبر المهرجانات المختلفة، مؤكدا على أهمية أن يكون أول رهانات الحالة العربية (الرهان الثقافي) مشيرا إلى ما تمتلكه الثقافة من أدوات متنوعة قادرة على التوصيف والتغيير بوسائل عصرية وحضارية مختلفة، معتبرا من خلال إشرافه على العديد من المهرجانات، وعضويته في مهرجانات أخرى، أن المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) أصيح يمثل نبراس المهرجانات العربية وقدوتها النموذجية في جانبيه التراثي والثقافي.
كيف تصف لنا المهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنارية 31» من خلال مشاهداتك له في دورته لهذا العام؟
إنني سعيد جدا بهذا العرس الثقافي الفكري العقيدي الديني والعربي والإسلامي بشكل عام، وكثرة هي الصفات الإيجابية التي ستتناسل من مشاهداتي لهذا المهرجان من مختلف جوانبه التي أدهشتني، لأن الموصوف هو الجنادرية، لكون هذا المهرجان تجمع واجتمع فيها ما تفرق في غيرها، فعلى المستوى الجغرافي جمعت أصقاعا متعددة من العلماء والفقهاء والمفكرين والإعلاميين والأدباء والشعراء والرواة.
الوجه الآخر لـ«الجنادرية» البعد الثقافي، الذي يستحضره المهرجان عبر مسارات عدة، يأتي في مقدمتها برنامجه (الثقافي) فكيف تصف بإيجاز هذا الجانب من المهرجان؟
استطاعت الجنادرية عبر مسيرتها أن تلم شتات أمتنا بروحها التراثية والثقافية، ومن خلال برنامجها الثقافي الذي يطرح في كل عام أسئلة عميقة تنفتح على الراهن المعاصر، والتحديات التي نعيشها عبر ما نشهده اليوم من تحولات تكالبت خلالها علينا الأمم والشعوب التي صارت تكيل لنا التهم وكأننا شماعة لتهمهم ومشجب في هذا العالم.
الثقافة بوصفها قوة (ناعمة) فما مدى الحاجة العربية إلى استثمار قدراتها على تشكيل مواقف صلبة من خلال ما تشير إليه وتتصدى أو تنتجه من مواقف؟
الجنادرية قصيدتي التي كنت أبحث عنها، وقد وجدتها هذا العام، والثقافة في تصوري لا تصنع موقفا وإنما تشير إليه، فقيمتها ليست في المسافة التي تقطعها وإنما في المسافة التي تدل عليها، فالثقافة هي أول من يق ناقوس الخطر، وهي الوسيلة التي تضع يدها على الداء ليبحث بعد ذلك المجتمع عن الدواء، إنها استباق للسياسي الذي يجب أن يكون في عالمنا العربي مثقفا، وأن يعي نبض الثقافة ، وحساسيات تحديات المرحلة.
أين تكمن – في رأيك - ما يمكن وصفه بحالة الخطر الثقافية العربية المعاصرة؟
خطورة الثقافة في مدلولها ومعناها، لأنها تقوم أساسا على تغيير نظرتنا للأشياء، وتكسير التوابيت التي تحول دون تقدمنا في عالمنا العربي، كما أنها ضد الهمجية، فمتى ما راهنا على بناء مجتمع حقيقي، فلا بد أن يكون رهانانا «ثقافيا» بالأساس، لأن الرهان الثقافي لديه القدرة على تفكيك العقبات التي تعيق التقدم والنهضة في عالمنا العربي.
ما المهرجانات الثقافية التي نحتاجها عربيا للإسهام حضاريا في حضورنا العالمي؟
المهرجانات الثقافية باتت ملحة وحاجة مرحلية قائمة لاستثمارها عبر خارطتنا العربية، وقد وجدت المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) تقدم «أنموذجا حقيقيا» للمهرجانات الثقافية العربية، فهو نبراس يحتذى، ونموذج يقتدى به، فما يتميز به المهرجان، أن أيامه لا تمر على زواره مرور الأيام (العارضة) كما تمر في الكثير من المهرجانات الثقافية عربيا، وإنما تأتي الجنادرية تتويجا لمسيرة سنة كاملة من الإعداد وورش التخطيط والعمل ومراجعة الأفكار والتطوير والتجديد في روح المهرجان في جانبيه التراثي والثقافي، ليكون بذلك مهرجانا أكثر انفتاحا على كل الفاعلين الثقافيين في عالمنا العربي، خاصة الذين أسهموا منهم بشكل مطلق في هذا العرس الثقافي السعود العربي ، الذي أتصوره مما شاهدته وعشته خلال أيامه أنه محفل ثقافي تراثي فكري يمثل في كل عام موسما من مواسم الحصاد التراثي والثقافي عربيا.
ختاما.. ما الرسالة التي تريد أن تهمس بها في أذن الجنادرية؟
إذ جاز لي أن اقترح من شيء فإنني أرى أن «الجنادرية» هي المكان الأنسب في تصوري داخل المملكة للنهوض بـ«ميثاق ثقافيّ» يجمع كل الفرقاء الثقافيين، وكل الجهات والمؤسسات ذات الصفة الثقافية، ويحتوي كل المثقفين والمفكرين والمبدعين بصفة فردية في عالمنا العربي، إلى ميثاق يصوغونه ينبني على مبادئ (حقيقية) داخل حكامة لتأسيس مشروعنا الثقافي من جانب ، و من جانب آخر ليتم تسييج ثقافتنا من داخل المملكة من الأفكار الثقافية الدخيلة على هويتنا العربية التي تعيش الكثير من التحديات أمام أعداء حقيقيين - أيضا – لم يكتفوا فقط بتشويه الأفكار عن عالمنا العربي، وتشويه صورتنا، وإنما تجاوز ذلك إلى حمل المسدس والدبابة والنار لحربنا صراحة.