د.عبدالله البريدي
مستويات النظافة في الحرمين الشريفين مدهشة في كل خطواتها وعملياتها وتفاصيلها، وهي تستحق أن تسجل في فيلم توثيقي على مستوى عال من الجودة والإتقان والتأثير، وهذا يعكس اهتمام الحكومة السعودية -أيدها الله- وعنايتها الفائقة بالحرمين الشريفين وخدمة المعتمرين والزوار والمصلين.
لفت نظري وجود ظاهرة سلبية جديدة في أوساط عمال النظافة في الحرم المدني الشريف، حيث شاهدت ولعدة أيام هذه الظاهرة وتأكدت من وجودها، وهي ظاهرة التسول (الشحاذة)، من المصلين الداخلين والخارجين. والصورة التي تكررت كثيراً أمام ناظري هي كالتالي:
- حينما نكون بصدد الدخول إلى الحرم أو الخروج منه يتوزع عشرات العمال في الساحات الخارجية للحرم وفي داخله أيضاً، ووجوههم تستقبل الداخلين إلى الحرم والخارجين منه، عيونهم تتحرك يمنة ويسرة، وأيديهم في وضع الاستعداد لاستقبال ما يجود به المسلمون، مع إدخال هذه الأموال بسرعة خاطفة في جيوبهم. يستمرون في هذا التسول لفترات طويلة. وقد تجلى هذا الأمر يوم الجمعة، حيث الوقت الطويل قبل صلاة الجمعة وبعدها وكثرة الناس.
- بعضهم يمسك بمكنسة دون أن يتحرك، فقط للإيهام بأنه يعمل ولتبرير وجوده في هذا المكان وبهذا الوضع الغريب (وضع المزهرية كما يسميه البعض).
- لم أشاهد على وجوه العمال أي حالة من حالات القلق من اصطياد مشرف أو مراقب هنا أو هناك، إذ إنهم يقدمون على التسول بهذه الطريقة السيئة وهم في راحة من البال، مما يشي بضعف الرقابة عليهم قبل الصلوات وبعدها. وهذا أمر مستغرب جداً، ويدعو للتساؤل.
هذه الظاهرة الجديدة سيئة جداً من عدة وجوه، ومنها:
1 - التسول يولد نظرات وانطباعات سلبية، إذ إنه يحمل دلالات التسيب والفوضى، وربما ظن البعض أن رواتب العمال لا تكفي ونحو ذلك من الدلالات السلبية، غير الصحيحة.
2 - التسول بهذه الطريقة يعطل العمل ويضعف الأداء، حيث يتجمد عمل المئات من العمالة لفترات طويلة جداً تصل إلى آلاف الساعات يومياً بالنظر لضخامة أعداد عمال النظافة، وممارستها في أوقات الصلوات الخمس.
3 - ممارسة التسول بهذه الطريقة الجماعية قد تؤدي إلى نشوء ترتيبات وأعمال غير نظامية بين العمال (أو ما يسمى في علم الإدارة بالتنظيمات غير الرسمية في المنظمات)، لتمرير هذه الممارسة وعدم اكتشافها، وهذا الأمر يحمل سلبيات عديدة.
لم تكن هذه الظاهرة موجودة في السنوات الماضية عدا في حالات قليلة لا ترتقي معها إلى مستوى الظاهرة، فما الذي حدث وما الأسباب؟ يتوجب علينا التنقيب لمعرفة أسباب نشوء هذه الظاهرة السلبية، في أبعادها الإدارية والتنظيمية والمالية كافة ومن جهة الموارد البشرية العاملة في الميدان والطواقم الإشرافية ونحو ذلك.
من الضروري والعاجل قيام الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي بتشكيل فريق لمعالجة هذه الظاهرة والعمل على إنهائها تماماً مع اتخاذ الإجراءات التصحيحية اللازمة كافة بأسرع وقت ممكن، بما في ذلك الإجراءات الصارمة والخطوات العقابية وفق الأطر القانونية، فالجهود الكبيرة المبذولة من قبل المملكة العربية السعودية لا يسوغ أبداً تشويهها بهذه الممارسات غير المسؤولة من هؤلاء العمال. على أنه من الضروري أن يشمل العمل التقويمي الوضع في الحرم المكي أيضاً، وبخاصة أنه نما إلى علمي بأن ثمة ممارسة للتسول من قبل عمال النظافة هناك.
ولعله من المهم أيضاً تأسيس وحدات تنظيمية مختصة بتحديد السلبيات والمشكلات في مختلف مجالات العمل الميداني في الحرمين الشريفين والحيلولة دون وصول هذه السلبيات والمشكلات إلى مستوى الظواهر، وسيكون لهذا الأمر الكثير من الفوائد والإيجابيات. ولتأسيس هذه الوحدات بشكل مهني، يتوجب وضع أطر مهنية تمكّن القائمين على الوحدات من إتقان عمليات اكتشاف المشكلات وتشخيصها بشكل مبكر، والتنبه لما يمكن أن يترتب عليها من سلبيات وتكاليف، مع تقديم باقة من الحلول والبدائل المناسبة للعلاج السريع الناجع. وهذا يتطلب تنفيذ برامج تدريبية للعاملين في هذه الوحدات؛ بما يجعلهم قادرين على القيام بمهامهم على أكمل وجه.
أنا على ثقة بأن المسؤولين في الرئاسة سيولون هذا الموضوع عناية فائقة وبالسرعة المأمولة، مع إزجاء الشكر الكبير لهم وللعاملين كافة في الرئاسة على الجهود الكبيرة في مختلف المجالات التي تخدم المعتمرين والزوار والمصلين.