زكية إبراهيم الحجي
قد يتفق البعض على مبدأ بسيط.. وهو أن أي حقيقة مرتبطة دوماً بأفكار الإنسان أياً كان موقعه في هذا الكون.. وبالتالي كلٌّ ينظر إليها بمنظاره الخاص وحسب ما تمليه عليه أفكاره.. من السياق السابق يتضح أن مفهوم الحقيقة يُحيلنا إلى معنيين رئيسيين لا ثالث لهما هما الواقع والصدق وهي بذلك تأتي مقابل الوهم والكذب والخداع والتحايل.. إذن ما هو معيار الحقيقة؟ سؤال يثير مجموعة تساؤلات.. ما معيار صدق الحقيقة هل هو معيار مطابقة الفكر للمبادئ والمنطق والعقلانية أم مطابقة الفكر للواقع الذي يبدو مزيفاً مخاتلاً في كثير من الأحيان.
لنترك تصوراتنا خارج إطار التفكير المنفعي الذي يعتقد البعض أنه معيار للحقيقة ونُرجع معيار الحقيقة إلى الوضوح الذي يحمل في طياته حكماً صادقاً لا يتناقض مع مبادئ العقل الفطرية.. فعندما تكون كل الأمور التي يفكر فيها الإنسان في حياته مصدرها العالم الذي يعيشه والمجتمع الذي ينتمي إليه والبيئة التي تربى في محيطها فإن أدواتها التي نبني عليها معيار الصدق والوضوح أو الكذب والتزييف هو الحوار.. والحوار فن من فنون التخاطب والتخاطب مع الآخرين بلغة الحوار يُبنى على تبادل أفكار خاضعة لإبداء الرأي وقابلة لنقاش ربما يتخلله جدل عقيم يُفضي إلى نزاع وعراك.. أو جدل ينتهي بدحض معتقدات وآراء خاطئة وبالتالي كسب الثقة وإيجاد أرضية مشتركة للتقارب.
فإذا كانت العلامة المميزة للرأي كخطاب ونمط يعتبر مرادفاً للحس المشترك بين الناس كونه متداولاً ومتاحاً للجميع.. فإن الفلسفة ومنذ الأزل دأبت على تعرية كثير من الآراء والفرضيات المتداولة بين البشر وقدمت نفسها كخطاب للحقيقة.. وإذا كانت الحقيقة نقيضاً للخطأ والظن والتسرع في الأحكام المسبقة فذلك يعني أن كل هذه الأضداد تجتمع تحت سقف واحد مسماه الرأي.
الحقائق يمكن التحقق منها وبمقدورنا تحديد فيما إذا كانت صحيحة أم خاطئة عن طريق تقديم الأدلة التي تدعمها وتؤكد صحتها مع العلم أن الحقائق تبقى دوماً ثابتة والمثال على ذلك عند قولنا لقد تم فتح الرياض على يد الملك عبدالعزيز عام 1319 هجرية.. فدقة الحقيقة غير قابلة للنقاش أما الرأي فهو اجتهاد يحتمل الصواب والخطأ.. لذلك نجد أن أغلب حواراتنا تبدأ هادئة وعندما يحتدم النقاش ويبلغ الحوار ذروة سخونته يخرج من دائرة الأدبيات الأخلاقية وعوضاً عن أن يكون هدفاً لكشف الحقائق يصبح لا مكان لمبدأ» رأي صواب يحتمل الخطأ.. ورأيك خطأ يحتمل الصواب.