د.مساعد بن عبدالله النوح
لقد اقتربت آراء عدد من المتخصصين في العلوم السلوكية الذين درسوا مرحلة الشباب على مفهوم هذه المرحلة، والتغييرات التي تحدث في شخصيات أفرادها كماً ونوعاً. إذ أعتبر علم النفس أن فئة الشباب هي مرحلة عمرية جياشة يتسم أفرادها بتغيرات عقلية وجسمية ونفسية واجتماعية وإرادية، وتكون هذه التغييرات ظاهرة وباطنه، ومن مظاهرها غزارة العواطف، وكثرة الانفعالات من خوف، ورجاء، وخشوع، وعطف، وتقلب المزاج، والميل إلى الجهاد، والتضحية، وسرعة الشعور بالذنب، والتقصير، وشدة التأثر، والاستجابة لما يسمع أو يرى من الأقوال والأفعال، وسرعة التقلب في العواطف، فالشباب يحبون، ويكرهون، ويفرحون، ويغضبون بسرعة، ويتسرعون في اتخاذ القرارات.
وحدد علم الاجتماع سمات هذه المرحلة في تعاقب الأدوار الاجتماعية في دورة الحياة بتأثير الوضع الاجتماعي، ومجموعة السلوكيات الهادفة المسؤولة عن جعل أفراد هذه المرحلة العمرية معنيين بتنمية المجتمع وتشكيل مستقبله.
واعتبرت التربية الإسلامية الشباب بأنهم العمود الفقري الذي يتمتع بالحركة والحيوية والعطاء المتجدد؛ لوجود الطاقة النشطة، يقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله في فتاويه (2-365): لقد علم أعداء الإسلام حقيقة الشباب، فسعوا إلى وضع العراقيل في طريقهم، أو تغيير اتجاهاتهم، إما بفصلهم عن دينهم، أو بإيجاد هوة كبيرة بينهم وبين أولي العلم والرأي الصائب في أمتهم، أو بإلصاق الألقاب المنفرة منهم، أو وصفهم بصفات غير صحيحة، وتشويه سمعة من أنار الله بصائرهم في مجتمعهم، أو بتأليب بعض الجهات عليهم.
هذا الوصف العلمي لشخصية الشاب تجعله يتفاعل مع الظروف المحيطة به إيجاباً أو سلباً وفق طبيعة البيئة المحيطة به. ففي الوقت الذي نسمع ونرى إنجازات للشباب في مختلف تخصصات العلم وميادين الحياة تسهم في إثراء المكتبة العلمية والأدب العلمي، نسمع عن تصرفات كلها عنف وغلظة تؤدي بصاحبها إلى التهلكة واستحقاق العقوبات الشرعية والقانونية المقررة.
وتتنوع أنماط عنف الشباب ضد الآخر وتشمل العنف اللفظي والبدني، ومن مظاهره، العنف ضد: الوالدين أحدهما أو كلاهما، والمعلم، والطلاب، والأطفال، والمرأة، والجيران وعامة الناس والبنى التحتية، وبعض الممتلكات...الخ.
وترصد نظريات عدة أسباب ممارسة الشباب العنف، مثل: الإحباط، والتقليد والمحاكاة، والعدوى الجماعية بسبب حالة نفسية تؤدي إلى السلوك الاندفاعي الممنوع اجتماعياً، وتأثير الوراثة في الميل إلى ممارسة العنف، والضغوط المحيطة بالشباب، وتمجيد البعض ممارسة العنف.
إنه منظر مؤلم للإنسان العادي أن يرى شاباً يحمل سلاحاً في مدرسة، أو في ميدان عام، أو يستخدمه في خصومة مع آخر، أو يتباهى به في زواج، أو يلف على وسطه حزاماً ناسفاً، ويتضاعف الألم لدى الوالدين والأخوة.
إن العناية بالأبناء مطلب مهم شرعاً وعرفاً في كل الأوقات، وتتزايد أضعافاً مضاعفة في هذا الوقت الحرج والعصيب. والمسؤولية جماعية على كل مؤسسات التربية في المجتمع بلا استثناء. وتختلف سبل العناية بالشباب ومواجهة عنفهم حسب مظهر العنف ونتيجته، وبوجه عام من السبل:
الاستفادة من منهج الإسلام في تربية الأبناء منذ الصغر، حيث تزخر التربية الإسلامية بوصايا وإرشادات نفيسة لأعلام التربية الإسلامية، من شأن الأخذ بها أن يصلح حال الشباب. يقول الغزالي رحمه الله: «الصبي أمانةٌ عند والديه، وقلبه الطاهر نفسية ساذَجة، خالية من كل نقشٍ وصورة، وهو قابل لكل ما يُنقش عليه، ومائل إلى كل ما يحال إليه، فإن عُوِّد على الخير وعُلِّمَه، نشأ عليه، وسعِد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه، وكلُّ معلِّم له ومؤدِّب، وإن عوِّد الشرَّ وأُهمل إهمال البهائم، شقِي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيِّم عليه والوالي» (إحياء علوم الدين، 72-3).
إبراز سماحة الإسلام في التعامل مع الآخرين مهما كانت انتماءاتهم. مر أبو الدرداء رضي الله عنه على رجل قد أصاب ذنباً، فكانوا يسبونه، فقال أرأيتم لو وجدتموه في قليب، ألم تكونوا مستخرجيه؟ قالوا بلى، قال فلا تسبوا أخاكم واحمدوا الله الذي عافكم، قالوا أفلا نبغضه؟ قال إنما أبغض عمله فإذا تركه فهو أخي.
مضاعفة الاهتمام بتعريفهم بالآداب العامة، والتأكيد على الكبار المحيطين بالشباب على التحلي بسمات القدوة الحسنة؛ لأن الشباب في الغالب يستحسنون ما يفضله الكبار ويستقبحون ما يرفضه الكبار، ونشر الوعي لدى الشباب خاصة بمخاطر ممارسة العنف شرعاً وقانوناً وعرفاً سواء في الدنيا والآخرة.
تقديم برامج إعلامية ومواد في شبكات التواصل الاجتماعي عن مظاهر العنف سواء على الشاب الممارس له أو على المتضرر.
غرس وتنمية روح الانتماء والولاء للوطن لدى الأجيال منذ صغرها والابتعاد عن التحدث في موضوعات عند الشباب قد تتسبب في خلق انفعالات غير سارة لديهم.
تصحيح نظرة بعض الآباء في أدوارهم حيال أبنائهم فهم ثروة باقية ومتجددة تفوق قيمة المال والعقار والأسهم وما في حكمهما.
تقديم برامج تعليمية إرشادية للمعلمين ولأعضاء هيئة التدريس في مراحل التعليم المختلفة حول الأساليب الملائمة للتعامل مع الشباب بوعي.
توعية الشباب أنفسهم بالسمات المتوقدة لديهم للعمل على تنميتها بالسبل الصحيحة. يقول ابن القيم رحمه الله «رياضة النفوس بالتعلم والتأدب والفرح والسرور والصبر والثبات والإقدام والسماحة وفعل الخير» (الطب النبوي).
تعريفهم بالجماعات المتطرفة من حيث أسمائها وأهدافها وآلياتها ونظرتها للشباب.
تنظيم مؤتمر وطني للشباب يقوم على إعداد موضوعاته والإشراف على لجانه وإدارة جلساته هم الشباب، ويكون تحت مظلة وزارة التعليم أو مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني. وتغطيه إعلامية من قبل إحدى الصحف. وتفاصيله الأخرى سيتم تناولها في مقالة لاحقة إن شاء الله.
تعاون التربويين وشركات الاتصالات تحت إشراف وزارة الداخلية على بث نوعين من الرسائل التوجيهية عبر رسائل SMS النوع الأول للآباء والأمهات، وفكرتها تتركز على التأكيد عليهم بضرورة الارتباط بأبنائهم، والتواصل مع مركز الأمير محمد بن نايف لمساعدتهم، والنوع الثاني للشباب، وفكرتها تتركز على التعريف بأهميتهم وحاجة مجتمعهم إليهم. وتحذيرهم من ممارسة أشكال العنف.
حفظ الله الجميع.