خالد الربيعان
يوم أول أحد في شهر فبراير هو الأكثر غياباً في الأعمال والشركات ، معظم المديرين وسكرتارية الشركات يتلقون أكبر كمية من الـ«آسف أنا مريض»، و «لا يوجد أحد يوصلني للعمل»، و «تأخرت في النوم»!
يتوقف المرور بالقرب من مغيب الشمس ، تكتظ الشوارع بالعربات الذاهبة إلى المقاهي وتجمُّعات المشاهدة وصالات العرض والمطاعم .. وأي مكان به شاشة تلفاز!، تُضاعِف المطاعم ما تنتجه في هذا اليوم ، الشراء يتكاثر بشكل يفوق موسم عيد الميلاد في أمريكا ، تقول الأبحاث إنّ معدل بيع واستهلاك الطعام والحلوى والشراب - بأنواعه الحميد منها والخبيث ! - هو أضخم حدث إعلاني!
من سوّقوا له اختاروا له يوماً محدداً هو أول أحد من فبراير من كل عام ! عبقرية في تسويق هذا اليوم لدرجة أن الغالبية يعتبرونه عيداً هناك وساعد على هذا ثبات الموعد ! ، يوم الأحد الماضي احتفل الأمريكان بهذا العيد الرياضي ، نهائي السوبر بول أو كرة القدم الأمريكية ، لو تريد انطباعاً دقيقاً للشعب الأمريكي شاهد ذلك اليوم !
وجبات سريعة ومقبلات قارب عددها المليار ونصف ! أمام شاشة تلفاز كبيرة لمشاهدة مباراة في رياضة اخترعوها وتعكس شخصياتهم تماماً ( الحرب والقوة البدنية والتنافس العدواني! ): فريقان يتصارعان ويتقاتلان على كرة في أرض مفتوحة ، كل فريق منهم هدفه وضعها في أرض الخصم ! كما تفعل الجيوش بزرع علم الدولة في أرض الجيش المنهزم !!
مباراة الأحد الماضي شاهدها 112 مليون إنسان ! ، غنّت فيه مطربة غريبة الأطوار تسمّى الليدي «جاجا» استعراض النهائي الذي امتد لـ3 ساعات ونصف ! والتفكير الإبداعي الذي لا يفكر إلا في المال جعلها تتوقف كثيراً جداً لتناسب ظهور الإعلانات !
تتوقف المباراة عند إحراز أهداف وعند تغيير الفريق المستحوذ على الكرة ، ويوقفها المدربون أكثر من مرة : TIME OUT ! هذا جعل الإعلانات الخاصة بنهائي السوبر بول شيئاً مختلفاً تماماً عما نعرفه ! بدأتها شركة آبل حيث تعاقد العبقري ستيف جوبز مع المخرج الهوليودي الشهير ريدلي سكوت ! وأنتج إعلان جهاز ماكنتوش سنة 1984 ! ذلك الإعلان الأسطوري الرهيب الذي يحاكي رواية أورويل الشهيرة (1984) ، وتم إطلاق الإعلان في نهائي سوبر بول 84 ! ليباع 72 ألف جهاز آبل ماكنتوش في 100 يوم ! ليثبت ستيف جوبز عبقرية خارج ميدانه ! في التسويق !
ومن وقتها والسوبر بول هو هدف الشركات على مدار العام ! سعر الـ30 ثانية إعلانات في نهائي 1967 كان 35 ألف دولار ، وفي مباراة الأحد الماضي كان سعر الـ 30 ثانية على شبكة واحدة فقط 5 ملايين دولار ! الإعلان هناك أصبح أشبه بوسيلة ترفيهية مستقلة وأصبحت ممتعة لدرجة أنّ المشاهدين ينتظرونها في أوقات التوقف ! الأمر الذي جعل الشركات تتعاقد مع ممثلي هوليود ليظهروا فيها وبالفعل رأينا ليام نيسين، جيسون ستاتهام وجون مالكوفيتش !
إعلانات السوبر بول لن تتركك إذا حاولت الهرب منها ولو حاولت الطيران ! لا أمزح ، الأحد الماضي وفوق آلاف الأقدام فوق سطح الأرض، قدمت الخطوط التركية - أفضل شركة طيران في أوروبا رسمياً - تجربة مشاهدة السوبر بول على متن طائراتها.. ونعم كان للشركة إعلان خاص بها خلال هذه المباراة !!
لن تهرب !
لن يتركوك حتى لو انقطعت الكهرباء ! المسوّقون والمعلنون يعملون خلال المباراة أيضاً ! نهائي 2013 انقطعت الكهرباء داخل الملعب، من هواتفهم دخل مسوقو شركة أوريو على تويتر وعملوا إعلاناً في تغريدة كتبوا فيها: التيار انقطع ؟ ليست مشكلة .. مازال بإمكانك أكل بسكويت أوريو في الظلام !
.