د. فهد صالح عبدالله السلطان
أشرنا في المقال السابق إلى أنه، ونظراً لتحديات المرحلة فإن توفر قوى بشرية عاملة تمتلك ثقافة عملية تحاكي متطلبات المرحلة تختلف في ثقافتها وقدراتها بشكل جذري عن تلك التي حملها بعض العاملين في ذات القطاع لسنوات خلت أصبح ضرورة لا خيار.
لم يعد شعور الموظف العام بالفوقية مستساغا. حان الوقت لتقييم موظفي القطاع العام من قبل متلقي الخدمة وجمهور المستفيدين (Stakeholders ) وليس من قبل الجهاز الذي يعملون به فقط. وحان الوقت لصياغة منهج إداري يقوم على تكريم الأمين النزيه المنتج المبدع والتخلص مما سواه.
نعم، هناك حاجة ملحة لإعادة هيكلة (مفهوم) العمل الحكومي و(آليته) وتبني برنامج شامل وطموح ومنهجي يقوم على إعادة صياغة مفهوم الخدمة العامة وثقافة العمل لدى موظفي القطاع العام وصياغة منهج ونظام لضبط سلوك العاملين في أجهزة قطاعي الأعمال والحكومة لتتواكب ومستجدات المرحلة وتطوير أداء العاملين في القطاع العام بما يكفل توجيه مجهوداتهم وانشطتهم إلى خدمة متلقي الخدمة وجمهور المستفيدين وتحقيق الأهداف الوطنية.. وتقييمهم على أسس عملية من أهمها مدى تحقيقهم لهذه الأهداف.
وطالما أن أداء الموظف يقوم أساسا على التمكين فإنني سأتحدث في هذا المقال عن التمكين. ولكن ليس التمكين بمفهومه التقليدي، وإنما بقالبه الحديث الذي يؤكد على تمكين الفرد العامل فكريا ومهاريا من جانب وتمكين جمهور المستفيدين أيضا من جانب آخر.
في المنتدى الذي تبناه برنامج دبي للأداء الحكومي تحت عنوان «تمكين الناس هو الأساس»، تحدث الدكتورعلاء جراد عن التمكين360 درجة. وكان يعني تمكين الكل. ولكن ما الذي يعني تمكين جمهور المستفيدين؟ وما علاقة ذلك بعمل الموظف؟ في الحقيقة أن الإنجاز الكلي للمنظمة -أي منظمة- لا يعتمد على ثقافة ومهنية العاملين فيها فقط بل يتأثر بثقافة المتعاملين معها من جمهور المستفيدين (منظمات اخرى أو افراد).
فثقافة هؤلاء تؤثر بشكل كبير على كفاءة وفاعلية التنظيم. وبالتالي فإن برامج التوعية والتمكين يجب أن تشمل كافة جمهور المستفيدين؛ بمعنى أن يعرف الكل واجباتهم وحقوقهم لكي تتم منظومة العمل بشكل مهني وسلس.
إذا كانت البلدية -على سبيل المثال- هي الجهاز الأصل في إصدار ترخيص معين فلن تتمكن من إصداره بالوقت والجودة المطلوبة مهما تم تحسين مستوى الخدمات فيها اذا كان احد الأجهزة المعنية الأخرى كالدفاع المدني- على سبيل المثال- لم يخضع لإعادة هندسة مفهوم العمل وآليته وتطوير أداء العمل فيه.
ما معنى ان تتم إجراءات دخول المريض للمستشفى الأهلي بطريقة حديثة سلسة اذا كانت شركة التأمين تعمل بطريقة روتينية تقليدية وغير مسؤولة.
حدث عطل في أحد أبراج الاتصال الخاصة بشركة فيدكس FedEx للبريد السريع، كان سيتسبب في خسائر كبيرة، ونظراً لوجود برج الاتصال على أحد جبال كاليفورنيا، ولضيق الوقت، قرر الموظف استئجار طائرة هليكوبتر دفع تكاليفها من بطاقته الائتمانية الخاصة، وأنزله الطيار على الجبل لإصلاح العطل وقام بإصلاحه ومن ثم استوفى حقوقه من رئيسه الذي بارك قراره وما قام به من عمل. نحن في زمن يتطلب ثقافة ومفهوم حديث للعمل يختلف تماما عن المفهوم البيروقراطي الروتيني في العمل التقليدي.
الذي أردت أن أصل إليه هو أن العبرة ليست فقط في التطوير الحسي المهني لدى العاملين، بل إن الأمر يتطلب تأصيل ثقافة العمل وتطوير مفهوم الأداء لدى الفرد العامل ولدى جمهور المستفيدين معا.
والله الهادي إلى سواء السبيل..