د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
(1)
قبل أكثر من ربع قرن، وكانت المكتبات العامة تعتمد البطاقات أسلوبًا للبحث عن الكتب، تبنى معهد الإدارة تقنية حاسوبيةً تعتمد النهايات الطرفية، وكان الوضع جديدًا، فلقي معارضةً من العاملين كما المطالعين، وبرؤيته الثاقبة أمر الدكتور محمد الطويل -وكان المدير العام- بإتلاف البطاقات كي يقطع الدرب على من يبغون الوقوف في محطة «اليدوي».
** وكُلِّف صاحبكم مديرًا عامًا للطباعة والنشر، وكان العمل -في مراحل ما قبل الطبع- يتم بأسلوب «القص واللزق»، وتقنية» الماكنتوش» جديدةً فأمر «أبو غسان» بإلغاء العمل اليدوي فورًا ونقل الأجهزة القديمة لمستودعات المعهد الخارجية وبيعها في المزاد، وقال: لن يتعلم شبابنا منهجية «التحول والمواكبة» إن وجدوا البديل القديم أمامهم.
(2)
** خضنا في «الجزيرة» عبر «المجلة الثقافية « تجربةً تحريريةً تجاوزنا بها نقص الصفحات الورقية؛ حيث كنا نقدم اثنتي عشرة صفحةً كل سبت، فطُلب منا تخفيضُها إلى ثمانٍ، ولم نشأ - بموافقة رئيس التحرير والمدير العام ودعمهما - أن نخسر حضور كتَّابنا كما قرائنا؛ فقررنا استمرار صدور «الثقافية» بعدد صفحاتها كما كانت، بل وبأكثر منها لو أردنا، وبالتأكيد بأقل لو اضطررنا.
** اعتمدنا تقديم إخراج متساوٍ متوازٍ للورقي مع الرقمي؛ كي يبدوَا لمتصفح الجريدة عبر الشبكة متماثلين تمامًا بشكلهما وروابطهما وإمكان طباعتهما وجميع تفاصيلهما، والفارق أن من يقرأ الصحيفة الورقية لا يرى الصفحات الرقمية لكنه يستطيع متابعتها عبر الروابط وتقنية الـ«بي. دي. إف».
** نزعم أننا نجحنا بمقدارٍ تجاوز ما توقعناه، مثلما نظن أننا بدأنا خطوات «ما بعد الورق» بشكل عملي، كما استمر تواصل الكاتب والقارئ معًا، وهو ما قامت به صحف رقمية عتيدة ذات مكانةٍ وإمكانات، ونحسب أن الباب أمام الصحف الورقية كي تتحول إلى رقمية مفتوحٌ اليوم ولن يبقى سواه غداً.
** المفارقة أن من ينعُون على الصَّحافة الورقية جمودَها ويبشرون بموتها وربما سخروا منها وتندروا عليها أحرص الناس على «الورقي»، وحين يواجَهون بما ينادون به من تجديدٍ وتطوير وتغيير يتراجعون زعمًا أن هذا أمر مختلف.
** بالتأكيد؛ ليس مختلفًا؛ فالغد ليس نظريةً مجردةً نحاضر عنها ثم لا نحضر تحققَها، وهو ما يجعلنا في حراك دائب وعيًا بما يستجد وترقبًا لما يجد وأخذًا بالأجدّ، والصحافة تتبدل أثوابُها ويبقى دورُها ونورُها؛ فإن انطفأ شكلٌ بزغت أشكال.
(3)
** أمر التنظير ميسرٌ؛ فالجميع يعزف على أوتار الحرية والعدالة والنزاهة والتجديد، وقلةٌ من يستطيعون تطبيقَها؛ فقد نجد الليبرالي -كما يسم نفسه- مصادرًا حرية غيره وربما مستعديًا عليه، كما أن بعض المنادين بالتحديث هم الراسفون في أغلال القديم، ويمارس الظلمَ داعٍ للعدالة، ويتورط في الفساد متلبسٌ بأثواب التقوى.
(4)
** الأثير وحده لا يُثير.