د.علي القرني
أحدث تقليعات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو اتهامه لوسائل الإعلام بأنها لم تغطِ أحداث إرهابية حول العالم بالقدر الكافي، وهذا يمثل عناوين كبيرة حالياً في وسائل الإعلام الأمريكية، وتتصدى مختلف القنوات لهذا الاتهام غير المؤسس على حقائق، فقد انبرت شبكة الـCNN لهذا الاتهام بحوارات مع مراسليها الذين غطوا هذه الأحداث الإرهابية في فرنسا وألمانيا وغيرها من الدول.. وأشار مراسلوها إلى أنهم قضوا أياماً دون أن يناموا وهم يغطون هذه الأحداث.. وأشار المحللون إلى أن الرئيس الأمريكي يريد أن يزعزع الثقة في وسائل الإعلام..
وهذه الجدلية عن تغطية وسائل الإعلام للأحداث الإرهابية كانت ضمن جدلية كبيرة ناقشناها نحن في المؤتمر الدولي الثاني عن الإعلام والإرهاب الذي نظمه قسم الإعلام والاتصال بجامعة الملك خالد في ديسمبر الماضي.. حيث هناك جدل كبير يشير إلى أن التغطيات الإعلامية للإرهاب والأحداث الإرهابية يؤدي حتماً إلى تنامي ظاهرة الإرهاب، وأن تغطية وسائل الإعلام للأحداث الإرهابية يعد بمثابة تعزيز للجماعات الإرهابية التي تعيش وتقتات على الأضواء الإعلامية التي تصلها من خلال وسائل الإعلام لأحداثها الإرهابية.
وبكل تأكيد لا أظن أن السيد ترامب سيفهم مثل هذه الجدلية تماما، كما أنه لم يكلف نفسه في أن يتابع الزخم الإعلامي الذي يضعه على وجه التحديد الإعلام في بلادها عن أي حدث إرهابي حول العالم، وخاصة CNN International التي تعمل على تغطية كل أحداث العالم بما فيها تلك الأحداث الإرهابية وبشكل مستفيض وبتغطيات متواصلة.
وتشير التحليلات الإعلامية إلى أن الرئيس الأمريكي ربما يتمنى حدوث أحداث إرهابية في أماكن مختلفة في العالم من أجل أن يعزز قراره الذي اتخذه عن منع الهجرة إلى الولايات المتحدث من عدد من دول العالم. وهذا القرار غطت وسائل الإعلام الأمريكية تبعاته الإنسانية التي حرمت آباء وأمهات من رؤية أبنائهم، أو حرمت أسرة من العودة إلى منزلها في الولايات المتحدة، أو حرمت أباً وأماً من حضور عملية جراحية كبرى لطفليها في الولايات المتحدة. فهذه الوقائع بلا شك وتغطياتها وتبعاتها الإنسانية تلقي بتبعاتها على صورة ترامب أمام الرأي العام الإمريكي.. ولهذا فهو يتهم الإعلام الأمريكي بأنه لم يعط الأحداث الإرهابية القدر الكافي، دافعاً إياها إلى مزيد من التغطيات المستقبلية مما يعزز قراراته ضد الهجرة وبناء جدار المكسيك..
وإشارت تحليلات نفسية عن الرئيس الأمريكي إلى أنه لم يتكيف بعد في منزله الجديد (البيت الأبيض) ويعيش في عزلة أشبه بالفيلم الأمريكي الشهير Home Alone حيث إن عائلته ما زالوا يعيشون في مدينة نيويورك، وهو يعيش لوحده في البيت الأبيض.. ويقضي ليلة في متابعة قنوات تلفزيونية معينة، ثم يتجه إلى تويتر لمزيد من التغريدات المثيرة التي اعتاد عليها في حملته الانتخابية.
ولا شك أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليس راضياً ألبتة عن وسائل الإعلام الأمريكية منذ أن أعلن ترشحه للرئاسة الأمريكية إلى اليوم ويزداد كرهه لوسائل الإعلام يوما بعد يوم. ومن المتوقع أن لا يحدث أي تصالح أبداً بين الرئيس الجديد وبين وسائل الإعلام، وسيحمل عهد الرئيس ترامب عداءً تاريخياً بين الرئاسة الأمريكية ومؤسسات الإعلام في مجملها. ولم يحدث في تاريخ العلاقة بين الطرفين أن تسوء مثل هذه العلاقة بينهما، ومن الواضح أنها ستتردى مع الوقت، نتيجة الهجوم المتواصل الذي يشنه ترامب على وسائل الإعلام، ومحاولات هذه الوسائل في الدفاع عن ذاتها..