د. جاسر الحربش
ليس للتسريح من العمل بالجملة علاقة بحساب المواطن. التسريح له علاقة بالإنتاجية وكرامة كسب الرزق والاستقرار الاجتماعي، وهذه شؤون أبدية لا يستطيع حساب المواطن التكفل بها. التسريح بالمفرد يخص المسرح والمسرح الفرد، لكن التسريح بالجملة يهم المجتمع بكامله. خلف كل فرد يسرح من العمل تقبع أسرة من عدة أفراد في الغالب وتنتظر آخر الشهر. خمسون ألف مسرح تعني خمسين ألف أسرة، وإذا ضربنا العدد باثنين فقط خرجنا بمائة ألف بطن. التسريح بالجملة يعني حدوث اضطراب معيشي ونفسي اجتماعي قد يؤدي إلى اضطراب من نوع آخر نحن في غنى عنه.
نصف الجائع ونصف الكاسي لا يقارن نفسه بالجائع العاري بالكامل، وإنما بالشبعان الدافئ، أما الجائع العاري بالكامل فيتحول بالضرورة إلى إنسان خارج كفالة القانون الاجتماعي والشرعي، والضرورة تبيح المحرمات. تسهيل التسريح كحق لصاحب العمل مقابل دفع تسكيتة مادية متواضعة يدسها في يد من يدفع به إلى الشارع ليس تصرفا اقتصاديا ولا اجتماعيا حكيما، وخصوصاً في أزمنة التقشف. أزمنة التقشف تحتاج إلى الاهتمام بالقاعدة على حساب الطوابق العلوية. القاعدة الاجتماعية هي التي تحمل تلك الطوابق العلوية، والتقشف يجب أن يبدأ بمن يستطيعه دون مشقة ودون إخلال بالوضع المعيشي فجأة وبدون مقدمات زمنية.
لست مقتنعا بأن التقشف الأفقي له الأولوية في تحقيق الاستقرار الاقتصادي في المستقبل ولكن التقشف العمودي هو المطلوب. عندما يستغني صاحب العشرة مشالح في دواليبه عن ثمانية مكتفياًً باثنين، ويكتفي صاحب المركبات العشر بخمس في كراجه، وبعشرة مستقدمين لخدمة منزله بدلاً من عشرين، حينئذ يصبح المردود الاقتصادي لهذا النوع من التقشف العمودي أكبر وأنفع من التقشف الأفقي لألف أسرة تعيش على حدود الكفاف. بهذه الطريقة يرضى حتى المتقشف الأفقي، لأنه رأى الذي يطل عليه من الطوابق العلوية وقد تنازل عن شيء من امتيازاته لصالح المستقبل. أقولها بصراحة الشارع العريض، أبناء وبنات الوطن لن يرضوا بحظوظ المستقدمين الأجانب ومقادير المرتبات وشروط الإجازات وتسهيلات التسريح حسب ظروف صاحب العمل، علما ً أنهم في واقع الأمر لن يحصلوا حتى على هذه المهن لو أنهم رضوا بها ما دامت العمالة المستقدمة تشكل ثمانين بالمائة من القوى العاملة. وزارة العمل تقول إن البطالة الوطنية في حدود الاثني عشر بالمائة. هل هذا الرقم منسوب إلى عدد السكان السعوديين، أم إلى عدد المواطنين القادرين على العمل فقط؟. إذا عرفنا البطالة الوطنية المنسوبة فقط إلى عدد المواطنين القادرين على العمل سوف ندخل في حيص بيص. علينا أيضا أن نتذكر المائتي ألف شاب وشابة الدارسين في الخارج وأنهم قادمون متلهفين لسوق العمل، فهل سوف نضيفهم إلى المسرحين، أم ماذا نعمل بهم؟.