أمل بنت فهد
جنون الشهرة.. لهث لا ينتهي.. وركض متواصل خلف عيون الناس.. استجداء رخيص للفت انتباه الجمهور.. ولأن ذاكرة الجماهير قصيرة.. فإنها تفقد شهية التتبع لمتسول الشهرة.. متى بهتت أفكاره.. وبات يكرر نفسه دون جديد.
لذا فإن قضية البقاء في ذاكرة الآخرين محسومة.. متسول يأتي بعده متسول آخر ويخطف الأضواء.. ثم يموت في الذاكرة الجماعية لأنها مثقوبة رغم ضجيجها الذي يعد بالخلود.. إلا أنها ماكرة تسحبه لوسطها ثم تبتلعه دون أن تترك له أثراً.
جنون الشهرة.. وشهوة تصدر المجالس.. وفخامة اعتلاء المنابر.. يمكنها أن تدفعه إلى حماقة الأفعال والأقوال.. لأن فكرة أن تبتلعه بؤرة النسيان تؤرقه.. وتخيفه.. لا يمكنه أن يتحمل المرور بحشد دون أن يُعرف.. دون أن يسمع اسمه يتردد بين الحضور.. دوامة تسحبه إلى البؤس والشقاء.. تحييه نظرة.. ويقتله الصدود.
الشهرة باب واسع يمكنك أن تدخله بالمآثر.. والهراء.. والحكمة.. والفضائح.. والعبث.. وكل شيء يخطر على بالك.. يمكنه أن يلفت انتباه جمهور من الجماهير.. ستُعرف.. ويحكى عنك فترة قد تطول أو تقصر.. ثم تُنسى كأن لم تكن.
الشهرة وجه من وجوه السلطة.. سلطة يمارسها المشهور على جمهوره.. بغض النظر عن قوتها أو ضعفها.. الشهرة لوثة من النرجسية التي يغازل بها المشهور ذاته تحت الأضواء.. الشهرة ليست عيباً في مجملها أو كارثة.. حين تحقق مكاسب للجمهور.. وللإنسان.. حين تكون محكومة بالضمير.. حين تكون افتعالاً للوصول إلى هدف نبيل.. وهذا يعرفه المشهور عن نفسه.. وحينها قد يكون له من وفاء الجماهير أن تجمع مآثره وتحفظها وتنشرها.
وقبل أن نسأل السؤال الأهم.. هل أنت أيها المشهور.. مشهورٌ في بيتك؟ ومع أسرتك! أم أنه ينطبق عليك اعوجاج الشجر وتساقط ثماره في غير حوضه!
هل استطعت أن تحدث فرقاً حقيقياً في حياتك؟
والأهم من هذا كله.. هل أنت مشهور أمام نفسك؟ هل أنت أحد جماهير ذاتك التي تحترمها.. خصوصاً وأنت خير من يعلم أعمق أسرارك.. إن لم تكن مشهوراً لدى ذاتك.. فأنت فرقعة إعلامية.. تفور وتموت في ذات اللحظة.
شهرتك الذاتية تعني أنك صادق فيما تقوله.. تعني أنك أول من اعتنق الفكرة وطبقها.. تعني أنك جربت ما قلته قبل أن تصدح به.
الشهرة وفية لمن لا يطلبها.. ولمن يعرف أنها ورطة.. أما عشاقها فيموتون بعد الوصول إليها.. الشهرة لعوب لا تثق بطالبيها.. الشهرة ثروة تتناقلها أكثر العقول أمانة.. تحفظها لمن يأتي بعدها.. وتنزلق من يد التافه والسطحي والمتضخم من فعل الهراء المتكدس بداخله.. الشهرة راية ليست لأحد.. لأنها وسيلة للخير والشر والصلاح والفساد.. وكثير من الأضداد.