د. خيرية السقاف
تتنامى مشكلات الأفراد وقضاياهم, ومنها تتحوّل بعضها إلى ظاهرة اجتماعية,
وهي تتنوع, تختلف, يتجذّر بعضها, يطفو بعضها, يُغْمر بعضها, طارئ بعضها, متراكم بعضها, مستجد بعضها, اعتيادي بعضها,
المتصدّون لها على اختلافهم كالبائعين في الأسواق, والمعالجين في المصحات, والمرشدين في المراكز, والناصحين في الدُّور..
هذه المشكلات, والقضايا على اختلافها بما فيها فساد المؤسسات, وأخطاؤها, التي تعود في خلاصاتها لواحد فآخر, فثالث فأكثر, يتصدى لها الإعلام في قنواته, وأقنيته المختلفة, أهمها الآن الفضائيات ببرامجها , ووسائل والتواصل الافتراضي بانفتاحها.
ما يشاهد من كل ذلك, يصيب بالحسرة حيث الهدر الفائض, والنتائج المخيبة..
في الخلاصة فإنّ ما يُشاهَد, ويُقرأ, ويُسمع بين الأفراد ذواتهم, أو في البرامج المعدّة للتصدي لما بين الأفراد باختلافهم بما فيهم المثقفون, والمتعالمون, والشاكون الباكون, وفي الشأن العام, فإنني قد وجدت بين غالبيتهم ما لا يسر!!
أما في البرامج الفضائية المستهدِفة مشكلات المجتمع, فيبقى السَّبق في المراهنة على التفوق, والنجاح لبرنامج « بدون شك» الذي يعدّه, ويقدمه الإعلامي القدير محمد الحارثي ,
تابعته مذ أول حلقاته حتى الآن, فوجدته الوحيد الذي يطمئن إلى جدية الرسالة الإعلامية, وتمكنها من الأداء المجتمعي التصويبي الهادف, والمتمكن بحنكة ذكية, ومنهج مدروس لمواجهة القضايا الاجتماعية, وسبرها بمواجهة أصحابها, فتسييرها الوجهة الصائبة, وبسطها بالأدلة, والشخوص, والأدوار, والعلاقة, والروابط المشتركة قدر الجهد , دون إخلال بالحدود, أو تفريط في ضوابط الإعلان عما ينضوي ضمن الخصوصية الدقيقة, والذوق الرفيع. بأسلوب هادئ لا تشنج فيه, وبأدب جم ينم عن إدراك للرسالة الهادفة حل المشكلة, وتلمُّس التوافق. ما لم أره في الشاشة الكبرى للواقع التفاعلي بين الناس بشكل عام لا خاص.
هذا البرنامج يختصر بنود الرسالة الإعلامية في مجاله, برنامج راقٍ, هادف, فاعل, متفوق بكل عناصره فكرة, ومضموناً, وتقديماً, ومنهجاً, وروابط, ونتائج, وإخراجاً ..
وأما فيما نشاهد في الفضاء الإلكتروني على الجانب الثاني فإنّ المغردين على سبيل المثال يتدافعون تدافعاً عشوائياً, وهم يتهافتون على هذه المنصة الإلكترونية الكاشفة بمئة وأربعين حرفاً عن الأبعاد الفكرية للمغرد, وأسلوبه, وانفعالاته, بل سلوكه التعبيري لغة, ومضموناً, وهدفاً, ومقاصد, وطريقة, بل معرفته فيما يتصدى له على مستويات التمكن, والتخصص, والخبرة, والموضوع, فأغلبهم يهرفون بما لا يعرفون, ويخوضون بجهل فيما لا يدركون أبعاده وآثاره. وربما لا يعلمون أنّ فيهم قلة فقط ممن يدرك أنّ هذه المنصة للإيجاز لا للبسط, وللتقارب لا للتباعد, وللتواد لا للمشاحنة, وللإخبار لا للإسْفار, وللإرشاد لا للتعمية, وللمشاركة لا للمعاركة, أما الكثرة العظمى فيهم فإنّ غلبتهم, وجعجعتهم, والكشف عما في صدورهم, وعقولهم قد بلغ حد الإسفاف, والهرج, وتوافه المطروح, وفجاجة المضمون, بل عنهم تنشأ مشكلات فردية, واجتماعية مستجدة, أو منبعثة من مكامن مختلفة بما لا يجعل من هذه المنصة وسيلة مجدية لهم, ولا لمجتمعهم,
ولهذا استُحدث قانون الضبط متابعة, ومساءلة, وعقوبة , فانقلبوا ينشدون حرية التعبير لما ليس من الحريات في شيء..
ولئن كان الفضاء الإلكتروني قد وضع الإنسان مع نفسه في موضع القادر على نفسه, فإنّ هذا المكسب لا يدرك فاعليته إلا ذو ضابط ذاتي فكري, وخلقي, وسلوكي , ذو حصافة ليقول ما يشاء ضمن حدود ما لا يسيء به, أو يساء منه.
فالمشكلات حين تنشأ فإنّ عواملها لا تزاح , وتبدد إلا بعمل واعٍ, مخطط, ومدروس ضمن قنوات في المجتمع تتعدد باختلاف تعدد المختصين بها, وللإعلام بوصفه قناة شعبية دوره الفاعل بلا ريب حين يتصدى لها بوعي, وخطة, وإدراك , وفكرة, ووسيلة, يستخدم فيها مؤثراته , ويفصل فيها بين حدي الأبيض والأسود دون ابتذال وانتهاك, ودون فضفضة وتهميش, ودون إثارة وتشويش, يحترم فيها الضوابط والإنسان, والحدود والحقوق, مقيداً بقانون احترام كل ذلك.
إنه وقت الإعلام المسؤول بقنواته المختلفة قديمها, وجديدها, عن كل ذلك,
بما فيه وسائل التواصل المشرف عليها, مسؤول عن الأمانة في أداء رسالته, وعن نقاء روافده وموارده, وعن جدية خططه, ووضوح تنفيذه.
بل عن التفاصيل الدقيقة المهملة.