د. جاسر الحربش
القليل من دول العالم نجا حتى الآن من انتقادات وطلبات الإدارة الأمريكية الجديدة. أقرب الحلفاء التاريخيين للولايات المتحدة الأمريكية، المرتبطون معها في منظومة دفاعية مشتركة (الناتو) عبروا عن قلقهم على أرفع المستويات السياسية والاقتصادية. دول الجوار المباشر للولايات المتحدة تشعر بقلق أشد، وكذلك أستراليا البعيدة المحشورة بين الدول الآسيوية، رغم أنها الأشد خوفا من السطوة الصينية والأكثر حاجة للتعايش مع الجوار الآسيوي ولكن بعد الموافقة الأمريكية.
العالم الإسلامي، كانتماء ديني بالمجمل، دخل مبكرا إلى دائرة الصد والمنع، وكانتماء وطني لم يبق منه خارج هذه الدائرة سوى بضع دول. إن كان الهدف الحقيقي للسياسة الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط تصحيح ما دمرته وفتكت به إدارتا جورج بوش وباراك أوباما، فسوف تبدأ بالحكومات العنصرية في إيران والعراق وسوريا وعصاباتها الإجرامية في لبنان واليمن وأفريقيا، وتقف في وجه التمدد الروسي الكاسح في الشرق الأوسط وشرق أوروبا. السطوة الروسية والإيرانية مقابل الرضا والتخاذل الأمريكي من إدارة أوباما/ كيري هي التي سمحت بالخراب الكبير وتحطيم الدول وتشريد الملايين.
في نقاشات المجالس ألمس قدرا غير منطقي من التفاؤل المبكر بالإدارة الأمريكية الجديدة، استنتاجا من أنها متصالحة مع دول الخليج العربي وتريد كبح العدوانية الإيرانية وتصحيح الأوضاع في العراق وسوريا. شخصيا لست جاهزا بعد لمشاركة هذا التفاؤل وأن ذلك هو ما سوف يحدث، هكذا وبدون مقابل فيما بعد، وأقول لماذا:
إدارة جورج بوش الجمهورية كانت فصيحة جدا في تصريحات الصداقة للعرب والمسلمين ولمنطقة الخليج العربي بالذات. هذه الإدارة هي التي حطمت دولة عربية عريقة ذات تاريخ تعايشي ديني ومذهبي وعرقي طويل وسلمتها لحكومة إيران صاحبة العنصريتين القومية والمذهبية. بعد إدارة بوش الجمهورية جاءت إدارة باراك أوباما الديمقراطية، فوضعت الشمس في يدنا اليمنى والقمر في يدنا اليسرى، ثم فتكت بالمنطقة بتسليط عصابات إيران وانفصالي الكرد وإرهابيي داعش والقاعدة. إدارة بوش الجمهورية داست على أهل المنطقة بالبسطار الأيمن وإدارة أوباما الديمقراطية بالبسطار الأيسر.
الآن نحن أمام إدارة أمريكية جديدة أحدثت منذ اليوم الأول قلقا بين أكثر حلفائها وجيرانها التقليديين بأشد مما أحدثته بين أعدائها التاريخيين. باستحضار ما قالته كل إدارة أمريكية سابقة وما فعلته أعتقد أن علينا واجب التحفظ وألا نفرط في التفاؤل حتى تتضح الأمور. الدولة الصهيونية فقط هي التي كانت تنام دائما مطمئنة مع كل إدارة أمريكية جديدة. هذه الحقيقة لها معنى إضافي شديد الأهمية، لأنه قد يعني كبح جماح العنصرية الإيرانية في التوسع نحو الغرب والجنوب وإطلاق يد الصهيونية للتوسع في كل الاتجاهات. يقول المثل لا تضع كل بيضك في سلة واحدة، فقد تقع السلة ويتكسر كل بيضك.