عبده الأسمري
كان ركناً ثابتاً في منظومة التنمية وحجر زاوية في نظام النماء طيلة عقود.. خدم الدولة مسؤولاً مناضلاً بالقلم والكلمة والرأي، كان أخاً أكبر على طاولة الوزراء.. وزميلاً أمثل في قاعات صناعة القرار وقدوة مباركة في سجلات رجال الدولة.. رحل تاركاً للوطن «ثراء متطور» وإطراء مستمر طيلة عقود أمضاها في العمل وقضاها بين جنبات المسؤولية.
إنه الوزير والمفكر والأكاديمي معالي الدكتور عبدالعزيز الخويطر -رحمه الله- الوزير الأشهر والأمهر الذي تولى حقائب عدة وزارات وتوفي وهو يشغل منصب وزير دولة لشئون مجلس الوزراء.. صاحب الأرقام الأولى في دفة العمل الوزاري ومالك السيرة العطرة الموشحة بثقة خمسة ملوك من قادة الوطن، حيث كان جليس القيادة وزيراً محنكاً عقوداً من الزمان يشير ويدير صياغة العطاء في مسيرة لا تتكرر أمضاها في العمل حوالي لأكثر من ستة عقود.
بوجه يكسوه «الشيب» ويكتسيه «الطيب» وملامح «أبوية محضة» وكاريزما اختلط فيها التاريخ باللهجة وتقاطعت فيه الجغرافيا بالمعرفة وبصوت هادئ ينطلق كقطعة أدبية ويعلو كخطاب مهيب يستخدم «اللهجة الشمالية» في عبارات الاعتياد ويدفع باللغة الفصحى في قرارات القرار يطل الخويطر كمسؤول صاحب شأن ومنبع شئون في مختلف المجالات.
في عنيزة التي كان يحن إليها ويمتن لها ببث روح العلم فيه باكراً ووسط أبوين غرسا في مهجته طلب العلا وفي طريقة ملامح المعرفة سار الخويطر من بداياته تلميذاً نجيباً يعشق التفوق حيث درس المرحلتين الابتدائية والمتوسطة ليرحل بعدها طالباً العلم غالباً الغربة معتلياً سلم الطموح إلى أم القرى، حيث التحق بالمعهد العلمي حيث أكمل دراسته الثانوية متسلحاً بالأدب ملتحفاً بأمنيات أسرته وطموحات شخصيته.
وما بين القاهرة ولندن نال الخويطر شهاداته العليا في التاريخ والفلسفة. فكان أول سعودي ينال الدكتوراه من بريطانيا ليكتب اسمه بمداد الاعتزاز في جامعات وأكاديميات الإنجليز. عاد لأرض الوطن حاملاً شهادة عليا ورداء أمثل ليكون أول ثمرات الواصلين وأجود منتجات التمثيل العلمي في وقت كانت لبنات «التأسيس» في مهدها الأول فكان من الأوائل في بناء المجد الوطني لذا كان وسيظل الخويطر «اسماً حاضراً» و»ثروة وطنية « كما قال عنه الملك فيصل رحمه الله.
عمل بالتدريس في قسم التاريخ بجامعة الملك سعود فكان معلماً بشرياً في التعليم العالي ثم عين أميناً عاماً لجامعة الملك سعود فوكيلاً لها ثم رئيساً للجامعة قبل أن ينال الثقة ليكون رئيساً لديوان المراقبة العامة؛ ثم تولى الخويطر سبع حقائب وزارية وزيراً للعمل والشئون الاجتماعية والمالية والصحة والمعارف «التعليم حالياً»والتعليم العالي والزراعة وآخرها احتفاء الثقة الملكية به حيث عين وزير دولة لشئون مجلس الوزراء وظل فيه عاملاً مكافحاً طامحاً حتى وفاته؛ وقد تجاوز العقد التاسع.. وكان خلال فترة عمله مثالاً للمثالية العملية في البناء والنماء والعطاء.
الخويطر أنموذج للوزير النزيه وخازن المال الشهير بحفاظه على المصروفات فيما يتعلق بالتوازن المهيب بين المطلب والضرورة في حيثيات التنمية؛ والدليل إصداره أمراً في الصباح وهو وزير صحة بالصرف ووقفه بعد الظهر وهو وزير للمالية عندما كان يعمل في وزارتين معاً، وهو أيضاً البذخ عندما يتعلق الأمر بجانب العلم والمعرفة والدليل ما أسسه في وزارة المعارف من منهجية وإستراتيجية ظلت ناطقة حتى اليوم في كل جنبات التعليم ومناحي العلم؛ حيث أسس مشروع التأليف في المناهج وتطويرها ووضع كادراً للمعلمين والتعاقد مع كبريات الشركات المتخصصة في تطوير العملية التعليمية وتنويع التخصصات. في كل الوزارات وشتى مناحي المشاركة وكافة فنون العمل ترك الخويطر الشموع مضاءة بعده وخلف وراءه خارطة إنجاز وخاطرة إنسانية، حيث غلب على شخصيته وتعاملاته الحس الإنساني الممزوج بالحزم المؤسساتي في تركيبة بشرية صنعت النجاح بطموح الوطنية وروح الإنساني. للخويطر عدة مؤلفات من أهمها «أي بني» وهو موسوعة تراثية كاملة في عدة مجلدات رسمت منهاجاً من الخطاب للأجيال وسراجاً منيراً من المسؤولية المركبة بين همم الحاضر وقمم المستقبل.. ومؤلف «وسم على أديم الزمن» عبارة عن سيرة ذاتية ومؤلف بعنوان «النساء رياحين» وهو كتاب يعكس دور المرأة وتأثيرها.
انتقل الخويطر إلى رحمة الله في رجب 1435هـ؛ ونعاه الديوان الملكي بعد أن ترك للوطن ثراء مهولاً من السيرة المعطرة بالخبرة والمسيرة المسطرة بمناصب كان إضافة لها.. غادر الدنيا وبقيت أخلاقة وأعماله وعلمه نفعاً وشفعاً في شتى ميادين المسؤولية.