سعد السعود
من منّا لا يذكر فريق بارما الإيطالي.. ذلك الفريق العريق الذي صال وجال في الكالتشيو وكوبا إيطاليا والبطولات الأوروبية.. فكان وصيفاً للدوري في مناسبتين.. في حين حقق كأس إيطاليا ثلاث مرات كان آخرها عام 2003 م.. بل أنه لم يكتف بذلك فتحدث أوروبياً بلغة مسموعة لينال لقب كأس الاتحاد الأوروبي في عامين.. ولم يتوقف عند هذا الحد حيث دون اسمه في السجل الشرفي لبطولات السوبر الأوروبية عام 1993م ، ونال لقب كأس الكؤوس الأوروبية في ذات العام.. وحتى على الصعيد المحلي فقد اقتحم بطولات السوبر وحصد لقباً واحداً عام 1999م.
من منّا لا يذكر بوفون الحارس الإيطالي الكبير والذي لازال يقدم أجمل مستوياته مع اليوفي؟ ومن منّا لا يذكر كانافارو أفضل لاعب بالعالم عام 2006 وقائد المنتخب الإيطالي؟ ومن منّا لا يذكر تورام ظهير المنتخب الفرنسي وبطل كاس العالم عام 1998 ؟ ومن منّا لا يذكر كريسبو رأس حربة المنتخب الأرجنتيني وواحد من أفضل 100 لاعب في قائمة الفيفا التاريخية؟ ومن منّا لا يذكر فيرون المحور الأرجنتيني المبدع وواحد من أفضل من لعب بمنطقة رأس القوس؟ ومن ومن... إلخ.. كل هؤلاء العمالقة وغيرهم الكثير كانوا قد ارتدوا فانيلة فريق بارما ودافعوا عن ألوانه وكانوا نجوما يردد المدرج أسماءهم.. فهل فريق يملك مثل هؤلاء النجوم وتلكم البطولات يمكن أن يُنسى أو حتى يصبح أثراً بعد أن كان خبراً؟!
لكن هي هكذا الأمور.. فمن سره زمن ساءته أزمان.. البطل سقط.. والنجوم توارت.. والفريق أفلس.. والحال أضحى من تعيس إلى أتعس.. وتعود فصول قصته الحزينة حينما بدأت مشاكله المالية بنهاية عام 2003 ليباع النادي لأكثر من مالك.. لكنها لم تظهر على السطح ويتأثر بها الفريق إلا عام 2012 عندما بدأت رواتب اللاعبين تتأخر.. ونتيجة لتراكم هذه المشاكل المالية الكبيرة تم استبعاد بارما من الرخصة الأوروبية ليفقد الكثير من المداخيل التي كان يمكن أن يحصل عليها لو شارك.. ولأن كرة الثلج إذا ما تدحرجت فإنها حتماً ستكبر.. وهذا ما كان.. حينما أعلن قائد الفريق لوكاريللي بأن لاعبي الفريق لم يحصلوا على رواتبهم منذ شهور.
وعطفا على كل ما سبق من مشاكل مالية وسوء التخطيط الإداري وعدم وجود مبالغ مالية كافية في خزينة النادي.. أصبحت أرقام المطالبات المالية فلكية بالإضافة لفاتورة الموسم الباهظة.. ليصل حجم مديونيات النادي لأكثر من 200 مليون يورو.. فيتم الحجز على أصول النادي وممتلكاته.. ويتم عرض النادي للبيع وبسبب عدم تقدم أحد لشرائه لتخليص النادي من ديونه.. بسبب كل ذلك أُعلن رسمياً إفلاس النادي في 22 يونيو 2015 م.. وتم تهبيط الفريق للدرجة الرابعة تحت مسمى جديد ليتكون من لاعبين هواة حيث رحل كل لاعبيه باستثناء قائده لوكاريللي والذي بقي وفياً للفريق.
هكذا كانت نهاية البطل.. فبعدما كان مالئ الدنيا رياضياً وشاغل البشر.. أصبح في غياهب النسيان ينشط في دوري هواة.. وكل ذلك بسبب الإدارة المالية السيئة وقت الأزمات.. وعدم تدخل الملاك بالوقت المناسب لمواجهة ما يعانيه من مشكلات.. وتفرج الاتحاد الإيطالي وعدم تقديمه الحماية اللازمة والتدخل مبكراً عندما بدأ ظهور المديونيات.. لتكون نقطة النهاية لهذا العملاق بعرض كؤوسه المحلية والأوروبية في المزاد العلني.. علاوة على العلامة التجارية للنادي وما يملكه من أثاث ومستلزمات رياضية.. هكذا انتهت فصول القصة.. والتي أجزم أن أحداً من محبي بارما ولا حتى متابعيه لم يكن يدور بخلده في عز سنين المجد أن تكون نهايته بهذا الشكل المأساوي.
وتا الله كأني أرى فريق الشباب يتراءى لي بين سطور قصتنا أعلاه.. فنفس الطقوس وذات السيناريو الذي هوى في بارما يحدث الآن بين جدران عرين الليث.. فالفريق الذي كان يضم بين أركانه نجوماً من طينة الرومي وفؤاد والعويران والرزقان.. وبعدهم عطيف أخوان وزيد المولد الفنان والشيحان.. أضحى يشح من النجوم ويجدب من المواهب ويهرب من اللاعبين من يهرب.. والشيخ الذي تحدث بطولياً في المنصة المحلية وعلى الساحة العربية والقارية أصبح لا يحلم حتى بمصافحة كأس من ورق.. وكما كتبت فصول نهاية بارما فإني أرى صداها هنا في حي الصحافة وكأنها نسخة منه.. فالديون تنخر بالفريق العاصمي بسبب سوء الإدارة المالية.. والملاك أو من هم بحكم الملاك يتفرجون ولا يبادرون.. واتحاد الكرة وهيئة الرياضة يشاهدون الحال وكأنهم يستمتعون بمنظر ليث أنيابه تتساقط ومخالبه تتقلم ولا يجد له من معين.. وعقوبات الفيفا تطل برأسها بحرمانه من التسجيل وربما ستنهش ما بقي من جسد الشيخ عاجلاً أو آجلاً.. ولا أدري كم بقي من الوقت ليكون لدينا بارما آخر على الصعيد المحلي.. فالوضع كارثي في كل المناحي.. والحال ينذر بالمزيد من المآسي.. وبظني فالقادم هو كتابة الفصل الأخير من حكاية الليث الذي كان.. والتي ربما ستضحى قصة يتناقلها الأجيال بعدما يتحول ليثنا -كبطل قصتنا- إلى غياهب النسيان.
آخر الكلام
يقول قائد بارما لوكاريللي في بداية الأزمة الأخيرة قبل إعلان الإفلاس: «منذ نوفمبر الماضي ونحن لا نتناقش في كرة القدم، نلعب للحفاظ على كرامتنا ولنثبت أننا أخلاقيًا فوق الشبهات، نحن لا نفكر في أنفسنا كلاعبين ولكننا نفكر في العاملين بالنادي الذين يتقاضون ألف يورو شهريًا».
لذا وعطفاً على صنيع لوكاريللي فإني أهمس بأذن مسؤولي الشباب وأقول: قد يكون للاعبين من يتحدث عنهم بالصحف والبرامج، وقد تتولى لجنة الاحتراف حفظ حقوقهم وتحصيلها، لكن تذكروا العاملين والموظفين بالنادي فبعضهم لا يتجاوز راتبه الألف ريال وتجشم عناء الغربة ليطعم عياله فلا يضيع هؤلاء في وسط الزحام.. فهم الأولى بالسداد.. وتذكروا حديث: «ابغوني الضُّعفاءَ، فإنَّما تُرزَقونَ وتُنصَرونَ بضُعَفائِكُم».