سلطان بن محمد المالك
في إجازة الربيع حضر عبدالرحمن من قريته الصغيرة في زيارة إلى أبناء عمومته ليقضي إجازته الربيعية في الرياض مستمتعًا مع أقرانه من أبناء عمه صالح، عبدالرحمن يهيئ نفسه للانتقال للعيش في العاصمة العام القادم حيث ينوي إكمال دراسته بعد الثانوية وليلتحق بالجامعة أو إحدى الكليات العسكرية، اعتاد في قريته الجلوس مع أهله وأصدقائه والاستمتاع في كل دقيقة من وقته بما هو مفيد، وأصبح متفوقًا علمًا وخلقًا.
في الرياض سكن في منزل عمه الشقيق لوالده وجلس مع أبنائه الذين في عمره، منذ اليوم الأول شعر بأن البيئة التي قدم لها مختلفة تمامًا عمّا اعتاد عليه، فالأبناء مرفهون وملتهون طول الوقت بهواتفهم المتنقلة أو في ألعاب الفيديو، يسهرون بالليل ولا يعرفون الصباح، ولا يتحدثون مع بعض إلا قليلاً جدًا... في إحدى الليالي كان عبدالرحمن سعيدًا حينما أخبروه أن الليلة هو موعد اجتماع أفراد الأسرة في منزل عمه صالح وغالبًا يحضر معهم أبناؤهم، سعادة عبدالرحمن تنبع من طبيعة حياته الاجتماعية وحبه للقاء أناس والاستمتاع بسماع الأحاديث وتبادل الآراء.
في تلك الليلة حضر الأقارب في منزل العم صالح، ولحظ عبدالرحمن أن أغلبية الحضور مشغولون ليس بالحديث مع بعضهم البعض بل في هواتفهم المتنقلة، فهذا منغمس في مشاهدة الهاتف ويضحك بصوت مرتفع ويعيش عالمه الخاص دون اكتراث بالحضور، الآخر يصور المجلس والحضور ويعلق عليها ويرسلها في سناب دون اكتراث لخصوصية الحدث، أما الآخر فملته بالكتابة والتعليق على الهاتف. قليلون هم من يتحدثون مع بعضهم بعضا، واستنكر عبدالرحمن إلا قائد في المجلس ولا حديث عام يتناقش به الجميع كما اعتاد هو في مجالس قريته. مرت تلك الليلة مخيبة لتوقعات عبدالرحمن وما شاهده هو فقط وجوه وأجساد أقاربه.
في الغد خرج مع ابن عمه وزملائه للعشاء في أحد المطاعم، وتكرر معه نفس مشهد تلك الليلة فابن عمه وأصحابه ملتهون في أجهزتهم، حريصون على نقل كل تصرف يقومون به وتصويره ونشره من خلال هواتفهم، تفاجأ عندما حضر الأكل بمن ينهره بصوت مرتفع... انتظر... انتظر... لا تأكل!!، فلم ننته من تصوير الأكل بعد، استغرب عبدالرحمن كثيرًا من هؤلاء الشباب وأي متعة يشعرون بها وهو لا يشعر بها، فهو معه هاتفه المتنقل ولكنه يفضل أن يستخدمه فقط في حدود المعقول مع حرصه على أن يحافظ على خصوصياته وأهله وعدم نشر أي أمور خاصة.
تفاجأ عبدالرحمن وهو في المنزل كذلك أن الأمر لا يقتصر على أفراد الأسرة فالخادمات والسائق منشغلون بالتقنية ومتصلون مع أهلهم وأسرهم صوتًا وصورة ولا يعلم ماذا ينقلون لهم من خصوصيات بيت عمه وأبنائه.
بعد أسبوع قضاه في العاصمة عاد عبد الرحمن لقريته محبطًا ومنشغلاً في التفكير، هل هو أصبح متخلفًا عن المجتمع أم أن ما يقوم به وهو مقتنع به هو الصحيح، فقرر أن يركز جهده على أن يكمل سنته الدراسية الأخيرة بتفوق لتحقيق حلمه الأكبر في الحصول على أعلى الشهادات.
قصة عبدالرحمن، واقع وحقيقة نشاهدها الآن في حياتنا فالتقنية أشغلت الجميع وألهتهم عن أمور أكثر أهمية منها، ولعلي أختم بأن هناك أمورًا لا يقبل التنازل عنها مقابل الانغماس في التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها، وأبرزها الصلاة وأمور الدين، العادات الاجتماعية التي ورثناها أبًا عن جد، الحفاظ على خصوصياتنا وعدم نشرها للعامة.
أسأل الله العلي القدير أن يجعل التقنية خير لنا وليست نقمة علينا.