د عائض محمد آل ربيع
يستخدم الإيرانيون المصطلح (ابر قدرت) الذي يعني حرفيًا القوة التي تصل إلى السحاب مقابلاً للمصطلح العالمي» القوى العظمى super power» ويطلق في عالمنا اليوم على تلك الدول التي تملك - أكثر من غيرها- كل المقومات الصناعية والقدرات العسكرية، وبالتالي التأثير في أحداث اليوم على الساحة العالمية. ويتداول في المنتديات والصحف المقربة من إيران مقولة بأن إيران قد أصبحت في مصاف الدول العظمى وخصوصًا بعد توصلها لاتفاق حول برنامجها النووي، وتصريحاتها الأخيرة بأنها تعارض وجود الولايات المتحدة في محادثات السلام السورية في أستانا، فهل يمكن لإيران أن تكون دولة عظمى؟
في الواقع أن لإيران تجارب مريرة مع الدول الكبرى ولنفهم شيئًا من علاقاتها اليوم مع تلك الدول يجب أن نعود للتاريخ ونتذكر أن إيران اتصلت مباشرة بالدول الأوروبية في فترة نابليون الذي كانت رغبته في القيام بحملة على الهند عن طريق إيران بعد فشل حملته على مصر فوجد حكام القاجار الذين كانوا يحكمون إيران بعد الصفويين فرصة للتحالف مع فرنسا للتخلص من ضغوط جارتهم روسيا، وتقاربوا بشكل فعلي وعقدت بينهما معاهدة (فنكشتاين)، لكن فرنسا نقضت العهد وأبرمت معاهدة مع روسيا بنودها مناقضة لمعاهدتها مع إيران سُمِّيت بمعاهدة (تيلست)، فدخل الطرف الثالث (بريطانيا) على خط الصراع وعقدت معاهدة مع إيران تعطي لبريطانيا كثيرًا من الامتيازات على كافة الأراضي الإيرانية.
وبذلك خرجت فرنسا من المنافسة ودخلت إيران في نفق الصراع بين روسيا وبريطانيا القوتين العظميين آنذاك وأصبحت إيران مهمتها إرضاء طمع الدولتين، واستمر التنافس بين الدولتين في نهب ثروات إيران حتى تم توقيع معاهدة 1907 التي يتم بموجبها تقسيم إيران إلى ثلاث مناطق، المنطقة الشمالية لروسيا، والمنطقة الجنوبية لبريطانيا، والمنطقة الوسطى منطقة محايدة بينهما، ولم يكن للدول الأخرى أي تأثير في الواقع السياسي الإيراني، فقد اضطر الروس والبريطانيون لهذه المعاهدة وأن ينتقلوا ولو مؤقتًا من مرحلة الصراع الذي استمر قرنًا من الزمان إلى مرحلة التوافق بسبب دخول قوتين جديدتين ناشئتين تبحثان لهما عن موطئ قدم أيضًا هناك، هما ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية والأخيرة انضمت للحلف السابق في مواجهة ألمانيا ومحورها.
وعلى الرغم من انتظار الإيرانيين الفرج للتخلص من هيمنة الدول الكبرى واتخاذها مبدأ الحياد في الحرب الكونية الأولى إلا أن هذا المبدأ لم يحترم من قبل الدول المتحالفة، وفي الحرب العالمية الثانية لم يستوعب (رضا شاه بهلوي) موازين القوى الدولية، وعندما خطرت له نوايا التقارب مع الألمان تم عزله ونفيه وتنصيب ابنه (محمد رضا شاه)، وتكرر الوضع مع الزعيم الإيراني (محمد مصدق) لاحقًا عندما عزلته أمريكا وأعادت الشاه للحكم، وتسيدت بعدها أمريكا المشهد حتى أصبحت في نظر الإيرانيين شيطانًا أكبر من كل الشياطين التي مرت عليها من قبل.
لن تخرج إيران من ذلك الصراع القديم الحديث مع تلك القوى ذاتها فلن تسمح روسيا ولو تقاربت مرحليًا مع إيران بوجود قوات أمريكية أو غيرها في إيران أو في منطقة من حدودها الجنوبية أو على البحر الأسود، وبالمثل لن ترضى الصين القوة الواعدة المساس بمصالحها، وقبل أن تُقْدم إيران على شيء حري بها أن تراعي فيه توازن القوى على الساحة الدولية وأن تستعيد الذاكرة وتستفيد من تجاربها السابقة، فلن تسمح هذه الدول أن تكون إيران على قدم المساواة مع هذه الدول، ومصداق ذلك قول أحد نواب الكونجرس الأمريكي لوزير الخارجية السابق (جون كيري) في جلسة الاستماع بعد الاتفاق النووي متسائلاً: «بهذا الاتفاق أنت تضع إيران بلدًا نوويًا مثل ألمانيا وفرنسا واليابان؟»، فتلك الخطوط الحمراء التي وضعتها تلك الدول ثابتة في سياساتها وليست كتلك الخطوط الحمراء الباهتة التي تضعها إيران ولا تلبث أن تُمحى بسبب عوامل التعرية الواقعية.
يقول الواقع المفروض إنه لا يمكن لدولة أن تصبح من الدول العظمى لمجرد أنها امتلكت التقنية النووية وإلا لكان لدولة مثل الهند على سبيل المثال بقدراتها الصناعية والبشرية والعسكرية والثقافية - وهي المقاييس المعتبرة للقوى العظمى - شرف الحصول على تلك المكانة أو حتى دول أخرى مؤثرة في عالمنا المعاصر مثل ألمانيا أو اليابان.ولو راهنت دولة على تأثيرها روحيًا بسبب وجود مزارات أو أماكن عبادة أو عقيدة معينة واعتمدت على مجموعة من البشر في دولة ما أو مجموعات متفرقة هنا أو هناك لكان الفاتيكان سبق إلى ذلك.
إذن فقدر إيران أن تكون أداة من أدوات صراع القوى العظمى وليس أن تكون واحدة من هذه القوى وهو ما أثبتته وقائع الأيام وما وثّقته صفحات التاريخ وما يظهر في واقعها المنظور.