«الجزيرة» - محمد المرزوقي / عدسة - فواز الروقي:
تواصلت ندوات «البرنامج الثقافي» للمهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية 31» بندوة «الشخصيات الثقافية المكرمة»، التي أقيمت بقاعة الملك فيصل بفندق إنتركونتيننتال بالرياض، التي أدارها الدكتور عبد الله الحيدري رئيس مجلس إدارة نادي الرياض الأدبي الثقافي، بمشاركة كل من: الدكتور عبدالله صادق دحلان، متحدثاً رئيساً عن معالي الدكتور أحمد محمد علي، والزميل الدكتور إبراهيم بن عبد الرحمن التركي مدير تحرير الشؤون الثقافية بصحيفة «الجزيرة» متحدثاً رئيساً عن الدكتور عبدالرحمن الشبيلي، والدكتور محمد الرصيص متحدثاً رئيساً عن الفنانة التشكيلية صفية بنت سعيد بن زقر، بوصفهم الشخصيات الثلاث المكرمة في هذه الدورة، وذلك مساء أمس الأول، ضمن فعاليات «البرنامج الثقافي» الذي تنظمه وزارة الحرس الوطني، لهذا العام.
وقد وصف دحلان الدكتور أحمد محمد خلال تقديمه لورقته، قائلاً: هناك ثلاث سمات مما يتميز به أستاذي أحمد، الأولى ما يتمتع به من قدرات تجاه تحمل المسؤوليات التي أسندت إليه خلال مسيرته العلمية والملية، وتفرده في القيام بها على خير وجه، أما الثانية التي يتميز بها في الجانب الشخصي الاجتماعي، فتتمثل في حضوره لأي مناسبة يدعى لها، إذ يتجشم الحضور إليها ولو لبضع دقائق إن حتمت عليه ظروف مشاغله، أما الثالثة في جوانب علاقاته الشخصية - أيضاً - فلقد كان وما يزال يذهب لزيارة تلاميذه المتميزين منهم خاصة الذين أنا أحدهم ممن لا يزالون يغمرني بها أستاذي منذ خمسة عقود، ولقد تبنت الجنادرية فكرة «شخصية العام» لاختياره وتكريمه في المهرجان كل عام، من الأدباء والشعراء والمؤرخين والمبدعين، والحديث عنهم في ندوة من ندوات برنامجها الثقافي، إذ كرم المهرجان العديد من رواد الثقافة في المملكة، لتختار هذا العام ضمن شخصياتها المكرمين أحد أساطين الإدارة والثقافة معالي الدكتور أحمد محمد علي.
وقال دحلان: المحتفى به صاحب مسيرة علمية وعملية كبيرة، إذ كان أول وكيل ومدير لإحدى أعرق الجامعات الأهلية جامعة الملك عبدالعزيز في جدة، التي انتقل الإشراف عيلها كسائر الجامعات في المملكة إلى الدولة، فأستاذ يسطع اسمه - أيضاً - بوصفه علماً في العديد من المجالات الريادية التي يأتي في مقدمتها مسيرته الإدارية في رئاسته للبنك الإسلامي، الذي كان أول رئيس له، إذ قاده بكل اقتدار في مواجهة التحديات عبر ما سلكه من تطوير وأعمال نوعية تنموية نهض بها البنك تجاه العديد من المشاريع التنموية في الدول الإسلامية الأعضاء بفضل الله ثم بفضل مما امتلكه من خبرة معرفية وإدارية وأفق واسع، إلى جانب اهتمامه بتطبيق المبادئ الإسلامية في الصيرفة والتنمية الإسلامية، حرصاً منه إلى نقل مهام البنك الإسلامي والارتقاء بدوره على أن يكون في صدارة الجهات المؤسسية خدمة للدول الإسلامية، ليترجل بعد أربعة عقود بسجل مليء بالإنجازات.
وفي ورقة الدكتور التركي عن المحتفى به الدكتور عبدالرحمن الشبيلي، بعنوان: «ريادة الإعلام وشموخ الأعلام» جعل محورها الأول عن «السمات الشخصية» الذي قال فيه: من يعرف الدكتور عبدالرحمن الصالح العبدالله الشبيلي المولود قبل سبعة عقود ونصف العقد يدرك أن الفتى الصغير كما العلم الكبير لم يتبدل فيه شيءٌ من هدوئه وتسامحه ولطفه وإيثاره وحبه للآخرين وحرصه على بذل المعروف وإنكار الذات والنأي عن رد الإساءة والإعراض عمن كاد له أو وقف في دربه، ولو قدر للافتة أن تُحملَ بالإنابة عنه لكانت: اتق شر من أحسنت إليه، جادٌ حدَّ الصرامة وهادئٌ حتى الصمت؛ يحكي - وهو الإذاعي الجهير - فلا يكاد يبين؛ لا يعلو صوته على أحد ولا يقاطع أحدًا ويمرر ما يقينه أنه غير دقيق كي لا يجرح شعور سواه، وربما تحدث الجالسون في تخصصه فشَرَّقوا وغَرَّبوا وبقي هو في صمته الجميل متابعًا، مبتسمًا؛ فإن أتيحت له سانحة أفضى بما لديه إضافة وإضاءة وتصحيحًا ملهمًا سواه درسًا من دروس اللباقة واللياقة.
وعن «الشبيلي إنساناً» جاء في ورقة التركي: لا نحتاج إلى القرب منه كي نعرفه؛ فاسمه ووسمه كفيلان بأن يحظيا بإجماع على ذائقته العالية وأناقته الجميلة وحبه للخير وبذله في سبيله وتأثره بما يعانيه غيره، حتى إذا فقد ابنه الوحيد عزى محبيه بكتاب توثيقي بَوْحِيٍّ شجي عن رحلة «طلال» في دروب الحياة ومع المرض، وحين تعب أبو طلال قبل عام ونصف العام دون سابق تاريخ مرضي وأجرى عملية جراحية كبرى فقد عاد بعد إبلاله إلى وهجه ونشاطه بل إلى مجاملاته على حساب صحته غير عابئٍ بما يسببه ذلك من عناءٍ له ولأسرته ومحبيه.
وجاء في ختام مشاركة التركي قوله: لعل هذا التكريم يكتمل بإصدار كتاب شامل عن مسيرة الدكتور عبدالرحمن الشبيلي وينشر ما تبقى من أعماله، ومعظمها في تسجيلات صوتية ومرئية تمثل حواراته النادرة المتميزة التي أجراها من خلال برامجه المتلفزة، كما نتطلع إلى إقامة ندوات عنه تناقش ملامح التميز في شخصه ونصه، وثراء تجربته طالبًا وأستاذًا وقياديًا وباحثًا ورائدًا لم يركن إلى شهرته وأولويته بين أكاديميي الإعلام وممارسيه، فبقي رقمًا مهمًا في دائرة الإعلام والأعلام مختتماً مشاركته بأبيات.
«مسار الغمام»
سار في حلمه وراء إساره
فرأى في الغمام معنى مساره
لم يغب في السراب بل مدّ وصلاً
لحياة إيراقها في مداره
ارتضى الظل واستفاء بعزمٍ
فأرته الأعوام إشراق داره
ليت من يعشقون كرسيّ تيهٍ
يتملون في مدى إصراره
فوق حد الخمسين سفرًا مزار
للشبيلي.. عنوانه في مزاره
أما الدكتور محمد بن صالح الرصيص، فقد تحدث عن الشخصية الثالثة المكرمة في الجنادرية لهذه الدورة، الفنانة التشكيلية صفية بنت سعيد بن زقر، مقسمًا ورقته إلى قسمين، الأول، قسم «مرئي» وآخر «نظري» استعرض فيه ثلاث مراحل فنية مرت بها مسيرة بنت زقر، الأولى من عام 1968- 1980م، أما الثانية فتمتد من 1980- 1990م بينما جعل الثالثة من 1990- 2016م مستهلاً حديثه بما بذلته بن زقر للفن التشكيلي الكثير من الوقت والجهد والمال، إضافة إلى اهتمامها بالتراث والموروثات الشعبية من ملابس وحلي ومقتنيات، واهتمامها الكبير بالجوانب التربوية والتعليمية.. مقسماً مسيرتها إلى ثلاث محطات بدأها بمرحلة أولى عبر حارة الشام ثم انتقال المحتفى بها إلى القاهرة لاستكمال دراستها ومن ثم سفرها إلى لندن لمدة عامين حصلت بعدها على شهادة في الفنون.
وقال الرصيص: قدمت صفية أعمال واقعية تشكيلية تستمدها من المشاهدة ومراجعة المصادر التراثية في واقع تشكيلي، جعل لها أسلوبها الخاص الذي أعطى الثبات الفني نتيجة لاهتمامها بحفظ التراث، إذ إن انتماءها إلى مدرسة الفن للمجتمع بعيداً عن مدرسة الفن للفن، فلقد انتجت أكثر من 500 عمل تضمن الحرص على المحافظة على تلك المنجزات التي بدأت منذ معرضها الأول، عام 1968م إلى جاب مشاركتها في 50 معرضًا، إلى جانب إنشائها لـ»دارة صفية بن زقر» عام 2000م وتنظيمها مسابقات سنوية منتظمة للأطفال منذ عام 2001م إلى جانب الاهتمام بالجانب الثقافي عبر مكتبة الدارة التي تضم أكثر من 7000 كتاب، إلى جانب المكتبة «المرئية» المزودة بالعديد من المواد الثرية فنياً في هذا الجانب، إضافة إلى احتفاظها بمواد فنية حاسوبية للعديد من أعمال الفن التشكيلي وأعلامه.
«المداخلون»
بدأت المداخلات بمداخلة للدكتور عوض بن عبدالله القرني، أكد فيها أهمية تكريم المبدعين في حياتهم وفي أوطانهم، واصفاً التكريم الذي يناله المبدعون في المملكة بأنه من وفاء الوطن لأبنائه، فيما وصف الدكتور أحمد بن عبد العزيز الدندني أهمية الكتب التي تناولت القامات المكرمة في مهرجان الجنادرية، من خلال تبني وزارة التعليم للكتابة عن العلماء المكرمين في المملكة، ومنهم القامات المكرمة في هذه الدورة، أما الدكتور سعد الرفاعي، فقد أشاد في مداخلته بقيمة التكريم الوطني في حياة العلماء، بوصفه وفاء يأتي من الوطن ومن أبنائه لكل من استحق التكريم من أبناء الوطن، متمنياً أن تتاح الفرصة بشكل أكبر ليتحدث المكرمون ويحاورهم الحضور، فيما تحدث فيصل الخديدي عن الفنانة التشكيلية صفية بن زقر، مؤكداً أن التكريم لكل امرأة سعودية، وللفنانات التشكيليات والتشكيليين عامة، فيما ناشد المهندس محمد الضاوي، الدكتور الشبيلي بنصيحة للشاب العربي في ظل ما يحيط بهم من متغيرات.
كما أكدت الدكتورة أماني الطعيمي، في مداخلتها على قيمة التكريم كقيمة إلهية، ومعاني التكريم على مستوى الوطن، وفي المهرجانات، مشيدة بتكريم الجنادرية للرموز والرواد من أبناء الوطن.. فيما عبّر الدكتور عبد الباسط التونسي عن شكره لقيادة المملكة، وللقائمين على الجنادرية وفي مقدمتهم صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز وزير الحرس الوطني، مشيداً بتكريم المبدعين في حياتهم، وأهمية التكريم بوصفه حافزاً للمبدعين في شتى مجالات الفنون، ومشيداً برؤية المملكة تجاه الثقافة وأهلها عبر التطوير والتكريم، عبر مهرجاناتها ومؤسساتها المختلفة.. فيما تحدث الفنان ناصر بن علي الخرجي، مباركاً في مداخلته للمكرمين، مشيداً بما قدموه من إسهامات، منوهاً بتكريم والده من خلال تبني الشبيلي لتكريم والده عندما أحيل إلى التقاعد، مثمناً للشبيلي ذلك التكريم الذي كان من قبيل الالتفات إلى والده بعد حالة من الانقطاع عاشها بعيداً عن الساحة والأضواء، ثم مداخلة لفهد الشبيلي تحدث فيها عن العديد من المواقف للشبيلي ضمن مواقفه داخل دائرة الأسرة التي كان منطلقها الأب الحاني، والأخ الصديق، والمربي الفاضل.