أدت بعض وسائل الإعلام دورًا لا بأس به لتعرية الغزو الفكري، مبينة خطره وأهدافه وبعض مصادره، وآثاره الوخيمة على الأمن واستقرار الوطن، وشرائح المجتمع المستهدفة وأهمها فئة الشباب، مما أسهم في تحفيز أفراد المجتمع للمشاركة في محاربته، وتجفيف مصادره.
إلا أن أهم ما يدعم بقاء هذا الفكر الخطير، وأهم مصادره، لم يحظ بالاهتمام الذي يوازي خطره، ألا وهو الغزو التاريخي للأمة، فإذا كان الغزو الفكري يستهدف حاضر الأمة، فإن الغزو التاريخي يذهب إلى أبعد من ذلك فهو لا يحارب الواقع الحاضر فقط، بل يتعداه إلى الماضي الذي يبنى عليه الحاضر، فالتشكيك في ثوابت الأمة ومعتقداتها، ورموز الوطن ومكوناته الأساسية كالأسر والتقليل من شأنها، والقدح في أصل قيم وعادات المجتمع التي يدخل في تكوينها قيم دينية، أمر غاية في الخطوة، يُفقد شباب الأمة القدوة والملهم، فما نعيشه من نعمة أمن واستقرار له جذوره التاريخية المشرفة، التي أسسها الرجال الأوائل ويسر الله من خلفهم من سار على نهجهم، فساد الأمن وأصبح وطننا يضاهي أعظم الحضارات وأجملها.
وحتى نحافظ على مكتسبات الوطن، ونعزز اللحمة الوطنية، ينبغي لنا في هذا الوقت الزاخر بالعلم والمعرفة، أن ندرك أن التشكيك والعبث في الثوابت الوطنية، سبيل لتأصيل الغزو الفكري وبقائه وديمومته، وأن نكون أكثر إدراكًا وأعمق تفكيرًا لما يحاك لوطننا وأن نتصدى لما يتم تداوله خلال وسائل التواصل والإعلام حتى وإن كان من باب الطرفة والتسلية، فليس كل ما يتم تداوله نتاج البيئة، فقد يصنعه متخصصون وتقوم عليه مراكز خارج الوطن تهتم بدراسة المجتمعات، وتسعى لتحقيق أهدافها وبرامجها. فهل ندرك الأخطار المحيطة بالوطن وأبعادها حق الإدراك؟ هل نحتاج إلى حزمة من الإصلاحات في وسائل الإعلام والتأكَّد من تطبيق الميثاق الإعلامي وتنفيذ أهدافه؟ أم نحتاج إلى سن قوانين وأنظمة تحدد المسؤولية عن محتوى ما يتم تناقله عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وتطبيق مقتضاها على المستخدمين؟
اعتقد أننا بحاجة لفهم أعمق لمعنى الحرية بشكل عام والحرية الإعلامية على وجه الخصوص، والتعامل بروح المواطنة الصادقة والمسؤولية المنضبطة، والتعاون والتكامل بين المواطن والمؤسسات المعنية، حتى لا نكون مشاركين دون وعي وإدراك بالحاق الضرر بوطن نحبه ونسعى لحمايته.
أدام الله الأمن والاستقرار للوطن.