د.عبدالعزيز الجار الله
بدأت بتجهيزات بسيطة وفكرة أصيلة، كانت تبحث عن الجذور الآثارية والتاريخية والتراثية والثقافية لتثبتها وتمتنها، كانت تتعقب الأصوات والشعراء و(القصاصين) والرواة وأصحاب النغم والأساطير والبلدانيين لتوثق ما يمتلكونه من لسانيات وموشحات وحكايات معتقة بهدف الجمع والتوثيق والنشر والانتماء والتوعية والاعتزاز الوطني، أنها الجنادرية التي ولدت قبل أكثر من (31) سنة عندما كانت عروضا ترافق سباق الهجن السنوي لتصبح موعداً سنوياً في المواسم التراثية والثقافية في المنطقة العربية والإسلامية، علامة مميزة في الآداب والفنون ومرجع الأكاديميات في مجال الثقافة والأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع الثقافي.
الجنادرية أشبه بالخزان المملوء إلى فوهته بأطياف الثقافات أو المورد العذب والغني لا ينضب ولا يجف ويفيض بمنتج وافر، أشبع كل وسائل الإعلام ومراكز المعلومات الإعلامية والثقافية، وبلادنا خطت خطوات كبيرة وواسعة في جوانب أخرى في: التعليم والاقتصاد والاستثمار والتعليم والصحة والتجارة أي تقدمت في المجال الحضاري الشامل وهذه من صلب اهتمام ومعطيات مهرجان الجنادرية الذي وضع في إطار التراث والثقافة، وكانت فكرته الأساسية افتخارا بالماضي وتطلع للمستقبل، أي لم يكن المهرجان في نواته الأولى محصوراً في التراث والثقافة إنما منسجم بين أمس المناطق وحاضرها عبر تجسيد خريطة المملكة على أرض الجنادرية بأمسها ماضيها وحاضرها، وهي فكرة مطبقة في بعض دول العالم، فكانت الجنادرية سيجسد داخلها البحر الأحمر والخليج العربي والربع الخالي ومدن النفط والتعدين والجامعات ومدن التصنيع ونماذج المساجد والأسواق المركزية وأبرز المعالم التاريخية وتحيط حولها المطاعم والفنادق ويكون التشغيل فترات من السنة بعائد استثماري عالٍ يخصص للصرف على المهرجان، ويمكن أن تكون هناك أكثر من جنادرية في جدة والدمام.
نحن ندخل مرحلة حضارية جديدة تقوم على الاقتصاد والاستثمار والتواصل مع المحيط الغربي والآسيوي أوروبا وأمريكا واليابان والصين وكوريا وأستراليا وكندا وتركيا نتداخل معهم بالسياسة والاقتصاد والاستثمار والتبادل التجاري ونعمل على التغيير ونقلة 2030 والتحولات التي ترافقها، لذا لا بد من نقل فكرة وفلسفة وروح الجنادرية إلى فضاءات جديدة تحاكي وتنسجم مع تطلعاتنا المستقبلية.