محمد خالد الخنيفر
قد لا يدرك الكثير أهمية الاستعانة بالمصرفيين المتخصصين بأسواق الدين ولاسيما الذين يتقنون «فن تسعير» السندات والصكوك والقروض. فاستعانت إدارات الخزانة (بالشركات أو المصارف أو حتى مكاتب إدارة الدين (بوزارات المالية في الخليج) بتلك الكفاءات من شأنها أن يوفر على الجهة المصدرة للدين الملايين من الدولارات خلال مرحلة المفاوضات النهائية على التسعير. فلقد شاهد الجميع كيف تأثرت أرباح بعض الشركات بفعل عدم توفيق إدارات الخزانة في اختيار القرض الذي يوفر تكلفة تمويله منخفضة (القرض بفائدة متحركة). وفي نفس الوقت لاحظنا بعض الحكومات والجهات المصدرة (بقصد أو بغير قصد) تقوم بترك «بعض المال على الطاولة» للمستثمرين الذين يستثمرون بالسندات والصكوك.
فن تسعير أدوات الدين وتوفير الملايين
في الأيام القليلة الماضية أغلق احد البنوك (ذو الملكية السعودية) سندات دولارية (أجل 5 سنوات) بتسعير «داخل» القيمة العادلة. بعبارة أخرى تعمد البنك ألا يترك ولا حتى دولارا واحدا على الطاولة للمستثمرين. قد يتساءل البعض ويقول إن البنوك الاستثمارية التي ساعدت في ترتيب الاصدار قد لعبت دورا ما في هذا التسعير. وأنا أقول انني على يقين أن كفاءات البنك بأسواق الدين هم الذين لعبوا الدور الحاسم في التسعير النهائي. أما كيف؟ فالجملة التالية توضح السبب.
في الآونة الأخيرة برز بنك الخليج الدولي كأحد أبرز البنوك بالسوق السعودي التي تمرست بأسواق الدين المحلية. فصندوق الاستثمارات العامة يملك فيه حصة مسيطرة تصل الى 97.22% (وهي تعد أضخم ملكية حكومية ببنك على مستوى العالم). وبحسب بيانات بلومبرج تصدر هذا البنك المرتبة الأولى في قائمة البنوك التي رتبت سندات وصكوك مقومة بالريال في 2016.
وعليه فماذا نتوقع أن يكون التسعير النهائي من بنك تمرس مصرفيوه في اصدارات الدين؟. بالتأكيد سيضعون مصلحة بنكهم فوق كل اعتبار.
كيف تم التسعير؟
حدد البنك السعر الاسترشادي «الأول والمبدئي» لسنداته فوق متوسط سعر المبادلة ( mid-swap) زائد 180 نقطة أساس (المرحلة الأولى كانت عبارة عن جذب المستثمرين بوضع علاوة على الاصدار). بعد ذلك كشف البنك عن سعره الاسترشادي الثاني ( 175-170 نقطة أساس) ووصل حجم الطلبات الى 1.2 مليار دولار. كان مصرفيو بنك الخليج الدولي يعرفون أن القيمة العادلة لسنداتهم هي 173 نقطة أساس. وفي تلك اللحظة تتجلى الخبرة والحنكة في كيفية إدارة التوصيات القادمة من البنوك الأخرى المرتبة للإصدار (التي هي الأخرى ترغب بإرضاء المستثمرين الذين جلبتهم) والجهة المصدرة التي تريد اختيار تسعير منخفض، ولكن في نفس الوقت تريد تجنب الفشل في اغلاق الإصدار بسبب إحجام المستثمرين عن المضي قدما بسبب التسعير. وبالفعل نجح البنك ،الذي يتخذ من البحرين مقراً له، بإغلاق اصدار الـ500 مليون دولار بفارق نهائي 170 نقطة أساس فوق متوسط سعر المبادلة، وليكون بذلك التسعير النهائي داخل القيمة العادلة (بـ3 نقاط أساس. المصدر: بنك (MUFG )). ونقاط الأساس هذه تترجم لفوائد تقدر بملايين الدولارات (وللاستزادة حول ذلك الرجاء قراءة المقال المعنون بـ»إجمالي الفوائد التي تدفعها السعودية على سنداتها الدولية»).