محمد عبد الرزاق القشعمي
وقال: «.. كان زكي قد أحضر معه من الحجاز أعداداً كبيرة من المكاتب أنزل منها أعداداً بعدد موظفي جمرك (قرية) فنقلت إلى الجمرك ونصبت في أماكنها، وخص كل موظف بمكتبه، ثم سلمت لمدير الجمرك السجلات والمطبوعات والأوراق التي يستلزمها العمل الجمركي، وكانت التعليمات التي أعطيت لمدير الجمرك تتضمن تفصيلات دقيقة عن كيفية استعمال تلك السجلات، وعن اختصاصات كل موظف من موظفي الجمرك وصلاحياته، وتحديد العمل الذي يمارسه بكل دقة»( ).
وقال إن الحرب وأحداثها المتلاحقه دفعت الدولة إلى اتخاذ إجراءات سريعة، واتصالات مكثفة مع الدول المجاورة وهي الكويت والعراق، وأن تستأجر مستودعات ضخمة في الكويت لتستقبل ما يرد على البواخر من بضائع وأرزاق باسم السعودية، ويعين لتلك المستودعات موظفون سعوديون لتسجيل ما يرد وما يشحن للمملكة. وقد عين عبد الله قاضي من قبل الحكومة السعودية وأصبح يطلق عليه لقب الوكيل التجاري السعودي، ويكون مقره الكويت وقد زود بالموظفين، وأن يحدد ما يستورده التجار، وأما ما تستورده الدولة من الأرزاق والأقمشة، فهذه تتجه رأساً إلى المدن الرئيسية فيتم تفريغها في مستودعات حكومية ضخمة أُعدت من قبل الحكومة في كل مدينة.
عاد زكي بعد أن انتهى من إنشاء هذه المراكز، وبعد أن اطمأن على سير العمل في كل منها، وتوجه إلى الأحساء، وتقرر أن يكون هناك مركز إقامته ليزاول عمله من هناك( ).
وقد استقدمت الدولة خبيراً أجنبياً لتطوير عمل الجمارك في المنطقة الشرقية عام 1358هـ ولا بد من مقابلة مدير عام الجمارك زكي عمر وكان مقر عمله بالأحساء، وعندما جاء الخبير إلى الأحساء لمقابلته، وجده بالدمام فانتقل للحاق به هناك فوجده على الحدود الشمالية، فذهب إلى هناك فلم يجده أيضاً حيث كان انتقل إلى حفر الباطن، وفي النهاية وبعد عناء طويل قابله بالدمام.. وقال له: هذه هي طبيعة عملنا.. لا يمكن أن تستقر في مكان ما، لا بد أن تكون عيوننا في كل بقعة..
وفي عام 1363هـ مرض زكي عمر فنقل عمله إلى مكة المكرمة للعمل مساعداً للمدير العام بوزارة المالية، وفي عام 1367هـ أصبح أمين عام جمارك الحجاز حتى عام 1370هـ حيث تم اختياره مستشاراً بوزارة المالية، ثم مفتشاً عاماً للجمارك حتى أُحيل إلى التقاعد عام 1376هـ( ).
ويذكر الصحفي الطيار محمد السلاح في كتابه (عبد العزيز والحج) عن «.. زكي بيك عمر الإداري الكبير، أمين الجمارك العام، فهو يتحلى بدماثة الخلق وطيب المعشر، قد سكب هذه الأخلاق المحببة التي يتصف بها في نفوس كافة الموظفين الذين يعملون معه في دائرته..»( ).
وبعد تقاعده أصبح منزله بالبغدادية بجدة مجلساً عامراً يجمع كل الأصدقاء والمعارف من مثقفين وغيرهم ومنهم زميله (طه ضليمي) وفي عام 1377هـ وخلال لقائه بأصدقائه وإذا بشخص مختل عقلياً اعتاد الشيخ زكي أن يساعده ويعطف عليه، قد استل سكيناً وطعن الشيخ زكي في كتفه، نقل للمستشفى وبقي به 57 يوماً فأمر الملك سعود بنقله إلى بريطانيا للعلاج وبقي لفترة، عاد بعدها لجدة ثم إلى القاهرة حتى توفي عام 1400هـ/ 1980م ودفن بالمدينة المنورة.
قال عنه عبد الله عريف بجريدة البلاد واصفاً إياه بالذكاء والحكمة وقوة الإرادة: «.. إنه رجل من طراز فريد في الإدارة في بلادنا.. وأن الحياة علّمت هذا الرجل الشيء الكثير وعلّمته كيف يتصرف بحكمة وروية لمعالجة الأمور المستعصية».
وقال أحد زملائه «.. إنه [كان] شجاعاً، مهيباً، أميناً، نظيفاً، عف اليد، نقي الثوب، صافي السريرة، يشيع الخير ويحث عليه، ولا يؤذي موظفاً ولا يحرمه حقه.. كان دائماً يقف مع موظفيه يعينهم وربما كان محتاجاً إلى من يعينه، ولكنه لا يتخلى عن الواجب في كل الظروف وفي كل المواقف»( ).