لأن الثقافة مكون رئيسي من مكونات المجتمع، فإن ما يجري على الناس وحياتهم ينعكس إيجاباً أو سلباً على الحالة الثقافية بشقيها النظري والفعلي، فمن الممكن جداً أن يؤدي إقبال الناس على نوع معين من الثقافة أو الفنون إلى خلق حالة ثقافية فريدة، كما أن إعراضهم عن نوع معين من الثقافة أو الفنون قد يؤدي إلى صعوبة في تلقي تلك الثقافة مجدداً والتعاطي معها.
ومن المعروف أن مجتمعنا بفعل عدة تأثيرات لا يتسع المجال لذكرها وتفصيلها في هذا المقال قد تنازل رغماً عنه عن رافدٍ رئيسي من روافد الثقافة، وأعني هنا الثقافة الفنية، وصار المجتمع يدور في حالة غريبة بين تشكيلهم لأقوى (جمهور) من حيث مبيعات السوق وحضور الحفلات الموسيقية في الخارج، وبين رفضهم لإقامة أي حفلة غنائية في الداخل، ونظرتهم غير المنصفة في الغالب للفنانين.
لذلك فإن أرضنا خصبة جداً لأي فعل ثقافي، إلا أنها تظل متوجسة، لذلك شكلت فعالية (نغمات ثقافية) التي أقيمت في أواخر الأسبوع الماضي على مسرح مركز الملك فهد الثقافي حالة صدمة لدى الجمهور والمهتمين بالفن والثقافة، فالرفض الصريح والاعتراض على كل ما تدخل به الموسيقى أوحى للمتابعين أن الجمهور لن يحضر على الإطلاق وسوف يعزف المشاركون أنغامهم للصدى، غير أن المبيعات والازدحام والتنافس على حضور هذه الفعالية، قد أكد مدى تعطش الكثير من الناس لهذه الحالة (الفنية) الثقافية التي كان لفنانين هذا المجتمع دور في تشكيلها وصياغتها، فتأثير الفنانين السعوديين على الفن تخطى حدود الوطن وتحول إلى نمط خليجي عربي بتوقيع طلال مداح ومحمد عبده وعبادي الجوهر، فكيف نناقض أنفسنا ونرفض الاعتراف بتعطشنا الفني لمثل هذا النوع من الفن الجميل!
لقد اتخذت من ذلك المشهد مثالاً للفعل الثقافي الصادم في الأرض المتوجسة، لأنه يعتبر أحدث الأمثلة، ولم يكن غرضي الأساسي من المقال الحديث عن (حلال أو حرام) أو حتى عن مطالبات فنية أو ثقافية. لكن ما أردته هو طرح سؤال أختم به هذه الكلمات:
هل نحتاج دائماً إلى فعل ثقافي صادم في أرضنا المتوجسة، لنقيس مدى تقبل الناس لهذا الفعل؟!
- عادل بن مبارك الدوسري
aaa-am26@hotmail.com
@AaaAm26