علي الخزيم
أجهشت السيدة بالبكاء حين وقع بصرها على كعكة كاملة بما يعلوها من مُحسّنات للنكهة والمنظر. يبدو أنها فاضت عن الحاجة في مناسبة أقامها أحدهم، ولم يجد وسيلة للانتفاع بها إلا بهذه الطريقة بعرضها أمام المارة. سَجَّلت السيدة بهاتفها المحمول مقطعاً، قدمت خلاله نصيحة للموسرين بأن يقتصدوا في مناسباتهم، وذكّرتهم بإخوان لنا ابتُلوا بأشرار منهم، جلبوا لهم أصناف العوز والمعاناة والذل والفقر، نشاهدهم عبر التلفزة في بلاد الشام ولبنان واليمن والعراق، وأكدت أن مصدر شقاء هؤلاء مُتجانس؛ لأن مصدر نكبتهم واحد، وعدوّهم واحد من أنفسهم؛ بالعمالة لعدو مشترك، كل همّه القضاء على حاضر ومستقبل كل عربي سني، حتى أولئك المنخدعين به (من عمالته العربية) سيكونون أول من يُقذف بمحرقته حال انتهاء مهامهم التي يُخطط لها. ودعت الله سبحانه أن يرد كيد الكائدين إلى نحورهم، وأن يهدي كل من يشاهد الفيديو إلى طريق الهدى والصواب.. محذرة من عواقب الإسراف والتباهي وإضاعة المال بغير وجهه، ثم وزعت الكعكة بطريقة مهذبة.
وتزامن نشر المقطع (مصادفة) مع أمر خادم الحرمين الشريفين بإقامة وتنظيم حملة للتبرعات للأشقاء السوريين المنكوبين من جراء عدوان نظام دمشق وأعوانه عليهم؛ ولعل هذا ما زاد المقطع وحديث المرأة قبولاً وإقناعاً للكثيرين من المشاهدين ممن تداولوه. والأمل كبير بأن يعمل الإخوة الأشقاء من المقيمين بيننا من السوريين واليمنيين وغيرهم بالمبادرة بعون ومساعدة وإغاثة إخوانهم وأهليهم في بلادهم ومن لجأ إلى بقاع أخرى، وهم أحرى وأقرب للتأثر من غيرهم بمعاناتهم وواقع حالهم.. ومَنْ يغيث ملهوفاً يرجى له عظيم الأجر والمثوبة من أرحم الراحمين. فلا غنى عن تضافر جهود الإخوة المقيمين مع جهود ومبادرات خادم الحرمين الشريفين وحكومته الرشيدة والشعب السعودي الذي عُرف عنه دومًا بعدم التخلي عن الأشقاء والأصدقاء من عرب ومسلمين، وكل من يتأثر بأزمات ونكبات عارضة.. فمشاركة المقيمين بدعم أهلهم ببلادهم لا تعني عجز المملكة عن الإغاثة؛ فهذا ديدنها، ولم تقصر يومًا، غير أن المشاركة تعني مشاركة المبدأ والقيم والشيم، وامتثال الهدي الرباني وسُنة النبي المصطفى.
الكعكة هنا تمثل الثقافة النمطية الاستهلاكية للأسرة السعودية التي اعتادت على صور من الكرم المبالغ به؛ كون الغالبية تملك مقوماته، مع تفاوت البيوت بهذه الصور.. إلا أن ما يجمعها هو الاتفاق على مسألة الكرم والتباري والتنافس في تقديم كل ما هو مُبتكر وجيّد من أصناف الطعام ووسائل التقديم.. وهذا عبء آخر يضاف إلى الأعباء التي يعانيها المجتمع؛ إذ إن المستفيد من هذه المنافسة هو الوافد (والعمالة المتوسطة) الذين وجدوا البيئة الخصبة لتلقف كل ما ينتجونه من أفكار قد لا تكون جُلّها مقبولة مُحفّزة، غير أن العامل النفسي لدينا والبحث عن الاستزادة من المظاهر هو ما جعل بضاعتهم رائجة مطلوبة. ويزيد من طغيان حب الظهور توافر وسائل العرض (والاستعراض) عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتقنياته المتعددة. ويبدو أن وعيًا اجتماعيًّا يتنامى - ولله الحمد - بهذا الجانب.