ولاء حواري
وفي داخل كل منا قاضٍ صغير وناقد صغير وحُقوقي صغير أيضاً.. هذه الصفات التي ربما هرست بعضها عجلة الحياة اليومية المتسارعة، وحيّدت بعضها شراسة التنافس على لقمة العيش، فجاءت التقنية - رغم كل عيوبها - لتضيف حسنة إيقاظ هذه الصفات وبعثها من مرقدها.
يقول رينيه ديكارت: عليك لكي تعرف ما يفكر فيه الناس حقاً أن تنتبه إلى ما يفعلونه، لا ما يقولونه!
وفي عالم أصبحنا فيه نرى العالم من حولنا من خلال عدسة جوال.. أيقظنا كل تلك الصفات والتي لم تكن حقا نائمة ولكنها كانت تتلهى بتفاصيل يومها عن التفاصيل العامة.
قد يرى المتشائمون أن من أضرار التقنية أنها أصبحت عيننا التي نتتبع بها العيوب وفمنا الذي نتحدث به وأيدينا وأرجلنا التي ندخل بها إلى معترك الأحداث مهما ارتقت أو انحدرت.
ولكن لو رأينا النصف الممتلئ من كوب التقنية لوجدناه يعكس بشافية الواقع متجردا من مؤثرات العلاقات والمصالح والأطماع وحتى الحرص المغلف بخوف!
ليست فلسفة بقدر ماهي قراءة بسيطة في مفعول مواقع التواصل ومن ورائها التقنية في تشريح الواقع ووضعه تحت مجهر النقد، وتجريده من التلميع والتطنيب.
أصبح المواطن مرصداً لترقُّب ما حوله من أحداث وما تعود به عليه - أو على مجتمعه وبيئته وصحته وحقوقه وحتى على شغفه للترفيه ! وتعلّم من خلال توسع ثقافته وتنامي اطلاعه وانفتاحه على الآخر على أن يوسع مداركه، بحيث لم يعد يتقبل أو يتجاهل أو حتى يغض الطرف عما يراه من أخطاءٍ تلقي بتبعاتها على مستقبل يسعى له ويحرص على أن يُمهّد له الطريق بمزيد من المعرفة والاطلاع.
أصبح يحكُم ويُحاكِم ويجرّم ويُقاضي وفي نفس الوقت ينقُد ويُطري ويبارك ويُبرز الإنجازات ويشارك من خلال عدسته وحرفه الصَّغير في أصغر الأحداث في مجتمعه. يبقى أن يعي من في موقع المسؤولية - أياً كان - أن المجهر صار أكبر من أن تفر من تحته تجاوزات أو حقوق منتهكة، وأنه زمن « لا يصح فيه إلا الصحيح» حقاً!