د. محمد بن عبد الله المشوح
الأيام تطوى والأعمار تفنى ويد المنون تخترم كل ساعة منا عزيزًا أو قريبًا أو صديقًا.
والحال كما قال الشاعر:
وما الناس إلا راحل بعد راحل
إلى العالم الباقي من العالم الفاني
لقد فجعت وأسرتنا جميعًا بفقد أحد أعلامنا المعاصرين وهو فضيلة الشيخ حمد بن سليمان المشوح فجر يوم الجمعة 29 - 4 - 1438هـ
وتمت الصلاة عليه في جامع الإمام محمد بن عبدالوهاب بمدينة بريدة بعد معاناة مع المرض لأكثر من شهرين.
ظل فيها صابرًا محتسبًا ذاكرًا تاليًا لكتاب الله مؤمنًا بقضاء الله وقدره مؤملاً الرجاء بالله سبحانه وتعالى.
والعم الشيخ حمد بن سليمان المشوح كانت ولادته في حدود عام 1359هـ وفِي مدينة بريدة تحديدًا وعلى مرمى حجر من جامع الشيخ صالح بن أحمد الخريصي -رحمه الله- ولد حمد بن سليمان المشوح وتربى في أحضان والده سليمان بن حمود المشوح الذي ورث التجارة والمال من والده الوجيه حمود بن مشوح المشوح الذي كان شخصية اجتماعيه بارزة وكان له مجلس مشهور في سوق بريدة يرده كبار القوم من الوجهاء والتجار وحرص سليمان على تعليم أبنائه مبادئ القراءة والكتابة مبكرًا وتلقى التعليم العم حمد على يد المعلم بن رزقان ثم التحق بمدرسة المنصورية ثم درس بحلقات سماحة الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- كما التحق بالمعهد العلمي في بريدة وتخرج منه.
وفِي سنة 1384 صدر الأمر الملكي الكريم بتعيين الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- رئيسًا للإشراف الديني في المسجد الحرام لينتقل من بريدة إلى مكة فاختار ثلة وصفوة من طلبته لمرافقته والعمل معه هناك وكان منهم صفوة من طلبة العلم منهم العم الشيخ حمد.
وفور وصول العم حمد إلى مكة في حدود 1384هـ تولى الإمامة في عدد من المساجد حتى تولى الإمامة والخطابة في الجامع القطري بالهنداوية سنة 1398هـ واستمر فيه لأكثر من ثلاثين سنة.
كما تولى عقود الأنكحة في مكة طيلة تلك المدة باذلاً وقته لخدمة الناس وقضاء حوائجهم.
أما عمله فقد انتظم منذ وصوله إلى مكة مع شيخه سماحة الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله- في العمل بالإشراف الديني بالمسجد الحرام مراقبًا دينيًا ثم مديرًا لإدارة شؤون المطوفين ثم رئيسًا لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المسجد الحرام أخيرًا في معهد الحرم حتى تقاعده حيث عاد إلى مسقط رأسه بريدة متفرغًا للعبادة والتلاوة طيلة السنوات العشر الماضية، معتزلاً الدنيا لا شغل له سوى تلاوة القرآن والمكث في المسجد -رحمه الله-.
وخلال تولي أصحاب المعالي الشيخ محمد بن عبدالله السبيل -رحمه الله- الذي يعتبره شيخه الثاني حظي كذلك بثقة مطلقة في أعماله واسندت إليه عديدًا من المسؤوليات والمهام واللجان.
وعندما ما تولى صاحب المعالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد - حفظه الله- الرئاسة حظي كذلك بذات الثقة.
لقد كان العم حمد طيلة مكثه وإقامته ومجاورته في مكة المكرمة مشرعًا بابه لكل القادمين من أهله وذويه وأقاربه وأهالي بريدة خصوصًا والقصيم عمومًا.
وكان يستبشر بكل من يلقاه في المسجد الحرام ويلح عليه بالقدوم وزيارته عنده ودعوته على إحدى المناسبات.
لقد كان -رحمه الله- واسع القلب بشوشًا كريمًا مضيافًا.
حبيبًا إلى الزوار غشيان بيته
جميل المحيا شب وهو كريم
لقد عاش العم حمد صادقًا في عمله مخلصًا لواجباته خادمًا لدينه ثمَّ وطنه في كل مسؤولية أنيطت إليه يغشاه هيبة ووقار وسكينة وهو كما يقول الشاعر:
وَجْهٌ عليه من الحَيَاء سَكينةٌ
ومحبَّة تجري مع الأنفاس
وإذا أحبّ الله يومًا عبدَه
ألقى عليه محبَّة في النّاس
أما في الحج فقد ظل سنوات طويلة بيته ممتلئًا بالقادمين للحج بأسرهم وعوائلهم من أقاربه وذويه ومعارفه وأصدقائه وجماعته. يفدون إليه ويقيمون عنده ويتودد عليهم بكل معروف وإحسان.
يا غائبًا في الثرى تبلى محاسنه
الله يوليك غفراناً وإحساناً
لقد رحل العم حمد -رحمه الله- وكان أحرص الناس على التمسك بالقيم والمبادئ وربى أولاده على تلك القيم ولله الحمد.
لقد ظل حتى لحظات رحيله الأخيرة يردد آيات القرآن التي عاش عليها حيث كان يختم القرآن طوال سنواته الأخيرة كل ثلاثة أيام. حتى في المناسبات كان الناس يتحدثون وكان يتلو القرآن يراجع حفظه ليلاً ونهار لئلا ينفلت منه.
تولى وأبقى بيننا طيب ذكره
كباقي ضياء الشمس حين تغيب
لقد رحل العم الشيخ حمد المشوح وبقيت مآثره الجليلة ومحبة الناس له وإجماعهم على تلك الصفات النبيلة التي تحلى بها.
تخالف الناس إلا في مودته
كأنما بينهم مع حبه رحم
وكان من جميل ما سمعت منه تعلقه بمكة وقوله وددت أني والله ما رجعت لكن الظروف العائلية وانتقال الأولاد حالت بينه وبين بقائه في بلد الله الحرام الذي عاش فيه زهرة عمره وغالب سنينه وكان يمضي الليل والنهار في المسجد الحرام.
لقد انهالت التعازي وعم الحزن على محبيه وعارفي قدره وفضله الكبير يعددون مآثره الحميدة وكرمه المتناهي وصلاحه واستقامته طيلة عمره -رحمه الله- حيث ظل عفيفًا كفيفًا زاهدًا بما في أيدي الناس وما مثله إلا كقول القائل:
قضيت حياة ملؤها البر والتقوى
فأنت بأجر المتقين جدير
وكان من جميل ما سمعت ثناء أصحاب الفضيلة المعالي الشيخ الدكتور صالح بن عبدالله بن حميد على الفقيد ومحبته له وعلاقته مع والده سماحة الشيخ عبدالله بن حميد -رحمه الله-.
وكذلك صاحب المعالي الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريفين الذي أبدي تأثره البالغ برحيل الفقيد الشيخ حمد -رحمه الله-.
وأنه ممن كان لهم أثر بالغ في الرئاسة بجهوده وأعماله المشكورة لأكثر من ثلاثين عامًا.
إن العزاء للجميع في هذا الفقيد الكبير.
أقول وقد فاضت دموعي غزيرة
أرى الأرض تبقى والإخلاء تذهب
وفي الختام نشكر الله عزّ وجلّ على كل حال ولا نقول إلا ما يرضي ربنا والعزاء إلى أنجاله الكرام فضيلة الشيخ محمد بن حمد المشوح الذي حمل سمت والده وعلمه وفضله وإمامته وصوته الندي حيث جهوده الدعوية في كل مكان وموقع ويعمل حاليًا مستشارًا دعويًا في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد وقبل ذلك مديرًا لمركز الدعوة والإرشاد بالرياض.
وإلى الاستاذ فهد من منسوبي أمانة منطقة الرياض.
وإلى الشيخ خالد رئيس دائرة التحقيق في فرع هيئة التحقيق والادعاء العام بمنطقة القصيم الذي لازم والده طيلة مرضه وكان به بارًا رحيمًا رزقه الله بر أولاده.
وكذلك الاستاذ عيدالله المعلم في وزارة التربية والتعليم
والشيخ معاذ الباحث الشرعي في ديوان المظالم
وإلى زوجتي الغالية المحتسبة «أم عبدالله» منيرة بنت حمد المشوح وبناته وزوجته الفاضلة التي رافقته في رحلة العمر بجميع مراحلها نورة بنت عبدالله السيف حفظها الله.
وبقية بناته الكريمات
فرحم الله أبا محمد وأسكنه فسيح جناته.
وكما قيل:
يوم الوداع وهل أبقيت في خلدي
إلا الأسى في حنايا القلب يستعر