حمد بن عبدالله القاضي
** كلنا راحلون عن هذه الدنيا لكن هناك أناسا يبقون بذكرهم العاطر وبالدعاء الدائم وبصنائع المعروف التي قال عنها الأحنف بن قيس «ما ترك الآباء للأبناء مثل صنائع المعروف». في الأيام الماضية غادر هذه الحياة رجل من هذا النمط من الرجال: عطاء وذكرا بالخير واستقامة ووطنية وبذلا للفضل. ذلكم هو الشيخ الجليل: محمد بن علي السويلم من خيرة رجال الوطن والقصيم ومحافظة البكيرية التي خرَّجت كثيرا من العلماء ورجال الأعمال وغيرهم.
** لقد ترسَّخ بذهني أن «الناس شهود الله في أرضه»، فقد شهد الصلاة عليه وتشييعه عدد لا يحصى من الناس، ثم ظل الناس من الرجال يتقاطرون على منزل أكبر أبنائه م. علي، حتى كانت تضيق بهم المجالس على مدى ثلاثة أيام، وكذا الشأن بتقاطر النساء على منزله للعزاء، ونسأل الله ألا يحرمه تلك الدعوات من النساء والرجال بأن يكون من أولئك المحسنين الذين وعدهم ربهم بقوله «الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية أولئك لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون».
** إن هذا الراحل أدرك بإيمانه ووعيه أن يقدّم عمل الخير والبذل في حياته ليتولاه ويشرف عليه بنفسه، فقد أنشأ بمحافظته البكيرية مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم وأقام مؤسسة خيرية، وأنشأ فندقا لخدمة محافظته وزوارها، ورعى الكثير من البيوت والمحتاجين بالصدقة والإحسان، وأوقف بعض ما يملكه على وجوه الخير إلى آخر هذه الأعمال الصالحات التي نعلمها والتي لا نعلمها، جعلها الله من الباقيات الصالحات عند ربه.
** لا أزال أذكر جلسة جميلة معه في أبها وكنت مع أخي العزيز د. علي الخضيري ودار فيها حوار عن وضع أمتنا العربية ومآسيها وتفرقها، وتحدّث رحمه الله حديث الواعي المدرك لأخطار هذا الوضع وآثاره على ديننا وأمننا والشعوب العربية، وها نحن الآن نتلظَّى بآثار ما تحدث عنه غفر الله له. لم يكن رحمه الله رجل أعمال فقط.. فقد كان قارئا واعيا يعيش ويتعايش مع هموم أمته ومجتمعه ووطنه ويبدي ويطرح آراء متزنة من واقع تجربته الحياتية الطويلة.
** فضلا عن ذلك كان رجلا وقورا.. لم يعرف إلا الكلمة الطيبة- ولم يُعرف عنه خصومات مع أحد رغم أن «العمل التجاري» يدخل فيه البعض بخصومات ومحاكمات ولكن أجزم أنه جعل»التسامح» شعارا له بل شعورا داخل قلبه، واستوعب قول ذلك الشاعر الحكيم:
لمَّا عفوت ولم أحقد على أحد
أرحت نفسي من همِّ العداوات
وبهذا المسلك الحميد أراح الراحل الغالي الشيخ محمد العلي السويلم قلبه من نكد الخصومات، وفي ذات الوقت كسب حب الناس له بحياته والدعاء له بعد رحيله.
** أثق أن أبناء وبنات هذا الرجل الصالح سوف يسيرون على نهجه الصالح ليستمر نهر عطائه وخيره جاريا بعد رحيله.. ولتبقى الألسنة رطبة بالدعاء له وليظل بالمجالس عبق ذكره وقد ترك لهم خير «ميراث» ألا وهو «صنائع المعروف» فلم تشغله بهارج الدنيا ولا بريق الركض وراء المال عنها.. لقد كانت»صنائع المعروف» هي أولى أولياته والعنوان الأهم بأعماله.
** وبعد: عزاء أسرته وعزاؤنا برحيل الأخيار قول ربنا «وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتاباً مؤجلا». وكفى بذلك عزاء ومواساة وزرعاً للطمأنينة وللرضا بقلب كل من فقد غالياً. أسأل الله وقد فارقنا جسده أن يجزيه خير الجزاء على ما قام به وقدَّمه، وأن يجعل أعماله المباركة نورا له في قبره وزيادة له بحسناته وأن يصيّر قبره روضة من رياض الجنة، وبحول الله فإن ما أصابه في أخر حياته تكفير لسيئاته وتطهير له وأن يجمعه مع أسرته وأحبابه بجنة المأوى التي لا فراق ولا أسقام فيها.