في بساط العبور الذي نحن ننتقل فيه أدوات مهمة لا يمكن الاستغناء عنها بحال من الأحول ومنها على سبيل المثال الاستيقاظ الذي من معانيه الانتباه والصحوة وخلافه الغفلة والنوم وإذا كان هناك شبه اتفاق بأنك أيها الإنسان لست اسمك ولا جسمك ولست أنت شهاداتك ولا عضلاتك ولست أيضاً أفكارك ولا مشاعرك وإنما أنت أكبر من كل ذلك! فمن أنت يا ترى؟ إنه يجب ألا يغيب عن تصورك أنك أنت نفخة من الله العظيم كما قال سبحانه في سورة الحجر: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي} هذا من جانب ومن جانب آخر وهو جواب على السؤال السابق يمكننا القول بأنك أنت المشاهد الداخلي / المستيقظ أو قل أنك أنت الشاهد والحاضر / المراقب الذي يرى ثلاثية الإنسان اللازمة وأقصد بها العقل والروح والجسد وما يحدث من تفاعلات بينها (نوايا وأفكار ومشاعر وقيم وتصورات) وبالتالي كلما كان مشاهدك الداخلي/ المراقب حاضرًا وفاعلاً كنت أنت مستيقظًا قادرًا على توجيه واقعك ولديك حسن الاختيار ومتمكن من الانزلاق بين خطوط الحياة وسابحًا بتوافق عقلي وروحي في مجرى الاحتمالات آخذًا وباستحقاق تام كل الخيرات المسخرة لك ومبتعدًا وبكل اقتدار عن كل ما ينهك طاقتك النفسية والفكرية ومتجاوزًا كل ما يُعلِّقُك في البْندولات النازفة والمستنزفة لك. وإن مما يجدر الانتباه له أن تدرك أنك كلما وقعت ضحية لأحد ما فهذا مؤشر على أنك في النوم غارق وإن كنت تظن الاستيقاظ الكامل فإن دخلت على سبيل المثال في خصومة مع أحد من الناس وتنابزتم بالألقاب وارتفعت الأصوات فتأكد حينها بأنك نائم غير مستيقظ وإن كنت لتوِ قد أفقت من نوم طويل وقس على ذلك دخولك في كل ردات الفعل السريعة وهكذا في بقية الشؤون كأن تجد نفسك عالقًا بشيء من السلوكيات الضارة أو الأفكار الدرامية أو المشاعر المنخفضة. وحتى نستيقظ/ نشهد أو قل حتى نفعّل هذا المشاهد الداخلي/ المراقب فإن علينا القيام بتبادل الأدوار من خلال التناوب بين المنصة وقاعة المشاهدة حيث تمثل المنصة مشاركاتك الواقعية في حياتك وتمثل قاعة المشاهدة المراقبة للمنصة أو قل لمشاركاتك الواقعية دون الدخول في أي مشاركة وبالتالي كلما كنت موجودًا في قاعة المشاهدة كانت درجة وعيك أعلى الأمر الذي من شأنه أن يغيّر علاقتك بما أحدث لك حزنًا أو غضبًا أو قلقًا أو نحو ذلك إذن العمق الذي نأخذه من فكرة الاستيقاظ أو تفعيل المراقب فينا هو أنه سيقوم بمتابعة علاقاتك بالأشياء/ الأحاث والأشخاص حيث إن هذه العلاقة هي التي ستنتج مشاعرك فلو افترضنا أنك مررت بترددات مشاعر منخفضة كالحزن أو تأنيب الضمير مثلا وكنت مستيقظًا فإنك ستتجه إلى قاعة المشاهدة تاركًا المنصة رافضًا إبداء أي ردات فعل معينة الأمر الذي سيمكِّنك من إجراء بعض التغييرات في بعض أوجه العلاقة وسرعان ما ستخرج من ترددات الحزن أو تأنيب الضمير وتتحرر منه إذ إنك بهذا الشكل تتجه إلى الأصل وهي العلاقة وتجري تغييرًا فيها لتتغير تبعا لذلك حالتك المشاعرية المنخفضة؛ إلى المتوسطة أو العالية ثم تعود إلى المنصة وتكمل دورك في الحياة متلذذًا بالخيرات والمشاعر الجميلة التي أنت توجدها في خط حياتك أما إذا كنت غير مستيقظ فإنك ستنحبس فيها أيامًا عددًا إن لم تصل إلى أشهر ممتدة. ولتعلم أن قيامك بهذا الأمر بهذه الشاكلة سيساعدك وباقتدار على أن تتحكم بأفكارك التي هي أساس توجيه واقعك وهندسة تفاصيل حياتك وعليه فإنك ما لم تكن مستيقظًا وفي أغلب أوقاتك فإنك لن تتمكن من توجيه واقعك. إنك بالاستيقاظ عزيزي القارئ ترفع من مصلحتك وتكثِّر أرباحك وفي المقابل غفلتك عن الاستيقاظ ونومك في مسار الأحداث سيفوتك عليك كثيرًا من الخيرات وصور الجمال وإن لم تقم بالاستيقاظ من تلقاء نفسك فإن غيرك من الناس أعجز عن ذلك وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيميه كلامًا رائعًا من الجميل أن نستشهد به حيث قال: جماع هذا أنك إذا كنت غير عالم بمصلحتك, ولا قادر عليها, ولا مريد لها كما ينبغي, فغيرك من الناس أولى ألا يكون عالمًا بمصلحتك, ولا قادرًا عليها, ولا مريدًا لها, والله سبحانه هو الذي يعلم ولا تعلم, ويقدر ولا تقدر, ويعطيك فضله العظيم, كما في حديث الاستخارة: (اللهم إني استخيرك بعلمك...) وتذكر بأن اليوم جميل وأن الغد سيكون بإذن الله أفضل. وصدق الأول عندما قال:
(هيهات ما تَرِدَ المطالب نائما
عنها, ولا تصل الكواكب قاعدا)