حياتنا بعيداً عن من نحب فراغ ممل مضن تمر علينا الساعات بلا جدوى وتمر علينا اللحظات وكأنها ساعات، يا إلهي عندما يكونون قريبين منا لا نقدر وجودهم، كانوا بضع أمتار منا وعندما فارقونا وكأنهم على بعد كواكب بالنسبة لنا، يا إلهي لم لم نثمن قربهم منا، ولم نشبع أنفسنا منهم وهم قاب قوسين أو أدنى منا، يا لحماقتنا ولسذاجتنا، آواه منا ومنا، أنحن مجرد سذج أم نحن بحق أغبياء، لماذا لم ننهل من عذب حبهم وشهد حنانهم وعطفهم وهل ينفع الأسى والتأسي لقد اغرورقت عيوننا بالدموع، نعم لم تجف مآقينا وأصبحنا نتجرع حسرة الألم ونصارع الندم، لم نتصور أن شيئا من ذلك سيحدث لنا ولم نكن نظن أن لوعة الفراق ستعصف بنا، رباه ما ذا نصنع وقد تضاءلت نفوسنا تلكم التي كنا نظنها عظاما، رباه رحماك إليك المشتكى، وفراق من نحب لا يُطاق، لا النفس تطيقه ولا الجسم، كل شيء يذكرنا بهم في كل زاوية من البيت لهم أثر وبقايا ويخيل إلينا أنهم هنا وهم هناك، فكيف نعيش وهم هناك وكيف نناجيهم وكيف نمد أيدينا إليهم ونضعها بين أناملهم وكيف نحملق فيهم ونضع أعيننا في أعينهم وكيف ننصت لأنفاسهم وتعطرنا أنفساهم وكيف وكيف؟؟؟
هل تجدي التساؤلات ولو وضعنا أمامها مئات من علامات الاستفهام؟؟؟ لا أظن ذلك، ولكن صاحبي، الذي تعمدت أن يشاركني في هذا الأمر ويجاذبني أطراف الحديث، لاحظت عليه بوادر الملل، وعلامات التذمر، لا معارضا لي، بل متعاطفا معي بشكل غير مألوف، هل هو واقعي؟ غير عاطفي؟ عملي؟ لربما، ولكن كنت أطمح منه أن يجنح معي إلى آفاق فلسفية نظرية، وأن يحلق معي بعيدا، بعيدا عن الواقع.
أقول لصاحبي التأرجح بين النظرية والواقع مفيد، يساعدنا على رؤية الواقع من بعيد، وأقرب له المعنى، فأقول تخيل أننا نحلق في طائرة ثم ننظر إلى الأرض من تحتنا، ألسنا نستطيع رؤية العموميات وليس التفاصيل، وسرعان ما وافقني على ذلك، فتنفست الصعداء وحمدت الله، فيبدو أنه اقترب مني فكريا بعض الشيء، وهكذا نحاول إقناع الغير بهدوء وبضرب الأمثلة، أليس هذا منهج القرآن الكريم الغني بضرب الأمثال، {وَيَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ}، كوسيلة فعالة للإقناع؟!!
وعلى الرغم من مأساتي بسبب من فارقني، فلم يحاول إقناعي بتطبيق منهجه العملي، وعوضا عن ذلك ألقى لمحة على ساعته واستأذن للانصراف وودعته قائلا له: لعل يكون للحديث بقية، وأومأ برأسه، ثم انصرف.