د.خالد بن صالح المنيف
من أعجب المهام التي يقوم بها البعض مهمة (تخريب الذات)! والعجيب أن علماء النفس يرون أن جميع البشر مصابون بمتلازمة (تخريب أو هدم الذات) ولكن بدرجات متفاوتة! و(مخرب ذاته) يتفنن في هدم منجزاته وسحق قدراته وطمس إيجابياته وإلغاء شخصيته، (مخرب ذاته) يكثر من تحقير نفسه في حديثه الداخلي والعلني، ويميل دائمًا إلى نقد ذاته بشراسة بل وجلدها بقسوة، ومع مرور الوقت تتضاءل ثقته بنفسه إلى أن تنعدم تمامًا ويصبح دمية في يد الظروف المحيطة به!
(مخرب ذاته) لا يرى نفسه جديرًا بأي نجاح! بل ويجتهد بلا وعي منه -فهو لا يدرك أن يعمل على تخريب ذاته- في التقليل من أي نجاح حققه ويعزو الأمر للصدفة أو لغفلة من يحكم عليه أو لمساعدة من حوله له!
وفوق هذا يتلمس كل ما من شأنه إضعاف (ذاته) من عوائق متوهمة وحواجز منيعة وعراقيل واهية وإنصات للمحطمين وتفاعل مع السلبيين!
(مخرب ذاته) عند نفسه ضعيف القدرة ناضب الطاقة محدود الإمكانية لا يليق به نجاحًا ولا يستحقه إنجازًا!
قد وضع نفسه مختارًا في آخر الركب وأن يرعى مع الهمل!
دائمًا يكرر على نفسه وعلى من حوله جملاً من قبل:
- النجاح ليس لي.
- أنا لا أصلح لشيء.
- لا فائدة مني في هذه الحياة.
- أجزم أنهم لن يقبلوا بي.
- لا أعلم كيف وضعوني في هذا المنصب الكبير!
ومن أهم أعراض تخريب الذات أن صاحبه ذو فكر سوداوي وعقلية متشائمة تركز على السلبيات وعلى الجوانب السلبية، في كل أمر لا ترى إلا الحواجز ونقاط الضعف، كثير الانتقاد لكل ما حوله، لا يعجبه أحد ولا يملأ عينه بشرًا، يمارس كل الوسائل للتقليل من قدر أي نجاح والتهميش من قيمة إنجازات من حوله!
(مخرب ذاته) كثير الانشغال بالمستقبل، مصاب بقلق مرضي عطله عن التحرك والمبادرة والتقدم مما جعله مصدرًا للهم لمن حوله!
(مخرب ذاته) لا يكف عن عقد المقارنات بين نفسه وبين الآخرين، وكونه لا يرى نفسه شيئًا لذا فالمقارنة دائمًا تكون في صالح الآخرين!
(مخرب ذاته) يرى أن من حوله أفضل منه، مما يزيد من تحقيره من شأن ذاته، ولأنه يعشق الفشل ويخاف من المستقبل، يعيش مريض هدم الذات بلا هدف معين يكافح من أجله حيث يسير في تخبط بلا هوية!
ومن خرب ذاته يعيش معاناة رهيبة، فمن أكثر الحقائق الصادمة أن الناس يتعاملون معك حسب معاملتك لنفسك! فالغالب أن من يكره ويعادي ذاته ولا يحترمها سيتصرف بسلوكيات تجعله يفقد احترام من حوله ويخسر تقديرهم!
فمن يلتقيك يقرأ خوفك وقوتك، شجاعتك وجبنك، ضعفك أو قوتك، يقعون على الجوانب الطيبة والسيئة وعليه يتعاملون معنا باختصار مخرب ذاته فقد كل شيء!
لماذا يخربون ذواتهم؟
اجتهد المتخصصون في تقديم تفسير أسباب الإصابة بهذه الحالة العجيبة والعلة الخطيرة (تخريب الذات)، وقد وجدوا أن صاحب هذه الشخصية قد مر بتجارب سلبية عنيفة هدت أركانه استسلم بعدها فتولدت في داخله قناعات بعدم الجدارة وشعور متأصل بالضآلة والدونية! وأنه مهما اجتهد وبذل فلن يخطو خطوة واحدة في درب النجاح! ويعتقد في قرارة نفسه أن أي تقدم يحدث له أسبابها خارجية، وأن هذا النجاح مؤقتًا وسيتلاشى قريبًا؛ لذا تجده يتمسك بالفشل ويرى فيه حماية له ويشعر بشيء من التحكم معه في حياته! وربما كان من الأسباب تعرضه في صغره لسياط مؤلمة من النقد الجارح من الوالدين أو المعلمين حطمت بنيان ثقته في نفسه وهزت تماسكه الداخلي!
وربما كان السبب في فقدانه الاهتمام وإهمال من حوله له وهذا يجعله يمارس كل أسلحة التخريب الذاتي، إذن السبب الرئيس في حدوث هذه الحالة هو تقييم غير جيد للذات! ومنها عدم تحمل المسؤولية مطلقًا وهذا مخرب رهيب للذات؛ فكيف لشخص يهرب من تحمل المسؤوليات ولا يباشر أعمال ذات قيمة أن يحمي ذاته ويحترمها! ومن المخربات الحساسية الزائدة، فكلما زادت من حساسية الإنسان من تصرفات من حوله قل من احترامه لذاته! ومنها كذلك الاندفاع العاطفي والحب المتهور والعطاء غير المنضبط يدمر الذوات لأن صاحبه يضخ المشاعر من طرف واحد أو على الأقل بكمية هائلة يعجز الآخرون عن مجاراتها!