«الجزيرة» – محمد السلامة / تصوير - عبدالرحيم نعيم:
أعلن وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية المهندس خالد الفالح أمس عن أول باكورة مشاريع مجال الطاقة المتجددة في المملكة لإنتاج 700 ميجاوات، الأول للطاقة الشمسية في منطقة الجوف لإنتاج 300 ميجاواط، والثاني لإنتاج 400 ميجاواط من طاقة الرياح في مدين بمنطقة تبوك، وذلك ضمن المرحلة الأولى من البرنامج الوطني للطاقة المتجددة الذي يستهدف إنتاج 9.5 جيجاواط من الكهرباء بحلول 2023 بما يدعم رؤية المملكة 2030، مبينا أنها تعد أكبر المشاريع في المنطقة من ناحية الحجم، والأولى في المملكة التي تطرح بنظام الشراكة بين القطاعين الخاص والعام، بحيث يكون التمويل بالكامل من القطاع الخاص والتشغيل والملكية لهذه الأصول التي ستنتج الكهرباء من القطاع الخاص. جاء ذلك خلال مؤتمر صحافي عقد أمس في الرياض للاطلاع على آخر المستجدات بشأن البرنامج الوطني للطاقة المتجددة.
وأوضح المهندس الفالح أن وزارة الطاقة أسست مكتبا جديدا مسؤولا عن تنفيذ البرنامج الوطني للطاقة المتجددة تحت اسم «مكتب تطوير مشاريع الطاقة المتجددة»، سيتولى مسؤولية إدارة البرامج بما يتماشى مع رؤية المملكة 2030، مبينا تشكيل اللجنة التوجيهية للبرنامج بهدف رسم استراتيجية عملية طرح مشاريع الطاقة المتجددة التي أُقر إطارها العام ضمن رؤية المملكة 2030 وبرامجها التنفيذية من قبل برنامج التحول الوطني، مشيدا بشركاء الوزارة في إنجاح هذه المبادرة وتحويل قطاع الكهرباء وإدخال مصادر جديدة للطاقة المستدامة في مزيج الطاقة بالمملكة. وتابع: أسسنا مؤخرا مكتبا في الوزارة سيتولى الإشراف على عمليات طرح المناقصات للطاقة المتجددة، مبينا أن مرجعية المكتب تعود لوزارة الطاقة ويضم ممثلي عدد من الجهات ذات العلاقة، وهو يعمل بشكل وثيق جدا مع الشركة السعودية للكهرباء التي تحتضن الآن المشتري الرئيسي للكهرباء الذي سيستقل في المستقبل من خلال برنامج إعادة هيكلة قطاع الكهرباء. وأضاف أن البرنامج أعلن عنه في مؤتمر قمة أبوظبي للاستدامة الذي عقد مؤخرا، مشيرا إلى أن المملكة ستطلق قريبا برنامجا طموحا لإدخال نحو 9.5 جيجاوات من الطاقة المتجددة الغالبية العظمى منها من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وخلال عام 2023 سيتم إدخال هذا الكم العالي جدا من الطاقة المتجددة. وفي سياق حديثه عن الخطط الطموحة للمملكة، أشار الفالح إلى ما تمر به «أرامكو السعودية» من «مرحلة تحول استراتيجي غير مسبوق في تاريخ الشركة، عبر عزمها الدخول في مجال الطاقة المتجددة ضمن توسيع أعمالها لتكون شركة عالمية ذات مجال أوسع من البترول والغاز بحيث سيكون لها باع طويل في هذه المجالات على مستوى العالم وليس على مستوى المملكة».
وأفاد الوزير أن اشتراطات عقود مشاريع الطاقة المتجددة ستكون محفزة بحيث تكون تكلفة إنتاج الكهرباء من هذه المصادر المتجددة من بين الأقل على مستوى العالم من خلال الممارسات والمحفزات التي ستكون موجودة في هذه العقود والتي تؤسس لنظام شراكة بين القطاعين العام والخاص، سيتبعها إن شاء الله مئات المشاريع التي ستجذب استثمارات عظيمة جدا ليست فقط في قطاع الطاقة، ولكن أيضا في قطاعات أساسية أخرى سبق أن أعلنت المملكة من خلال رؤية 2030 نيتها أن يقوم بها القطاع الخاص، لافتا في هذا الصدد النظر إلى أنه سبق أن تحدث عن قطاع الصحة على سبيل المثال الذي سيقوم ببناء المنشآت وتشغيله في المستقبل القطاع الخاص، كما في المطارات والموانئ ومؤسسات كثيرة بما فيها التحلية التي تعد أكثر ارتباطا بقطاع الطاقة.
وأكد الفالح أن أسلوب طرح مشروعي الجوف وتبوك وما سيليهما سيكون في منتهى الشفافية، وأنه تم استحداث منصة إلكترونية في الوزارة تتيح لكل المهتمين بالمشاركة أو حتى الرقابة على برامج الطرح ليكون لديهم القدرة على الاطلاع الآني واللحظي بما يتم وما يطرح من وثائق واشتراطات سواء أكانت مالية أو فنية أو قانونية لهذه العقود والمناقصات التي سنقوم بطرحها، مبينا أن تقديم العطاءات سيتم أيضا عبر هذه المنصة، وبالتالي التقييم سيكون واضحا وشفافا للجميع ولن يكون هناك أي ضبابية حول الأسلوب الذي اختيرت فيه الشركات والتجمعات التي تتنافس على هذه العقود. وأبان الفالح أن التاريخ القادم المهم هو RQ أو دعوة تقديم الاهتمام بالطلب وسيكون ذلك في 20 فبراير، والدعوة لتقديم العطاءات ستكون في 17 أبريل القادم، فيما سيعقد بالتزامن معه مؤتمر كبير في الرياض لدعوة المهتمين من المملكة والمنطقة والعالم للقدوم للمملكة والاطلاع مباشرة على ما نطمح له من خلال هذه المناقصات ومن خلال هذا البرنامج وإدخال الطاقة المتجددة في المملكة، متوقعا أن يتم استلام العروض والعطاءات في شهر يوليو القادم، مع العزم على إرساء هذه المناقصات الكبرى في شهر سبتمبر للبدء في التنفيذ بعد ذلك، كما يتوقع مشاركة عالمية سواء من حيث المطورين من مختلف أنحاء العالم ومشاركة من مصادر التمويل المحلية والدولية.
وشدد الوزير على أن من بين الاشتراطات الرئيسية في هذا البرنامج هو توطين التقنية والصناعة للطاقات المتجددة بتدرج وبطريقة تضمن أن التكلفة للطاقة المشتراة من قبل المشتري الرئيس تكون منافسة جدا على مستوى العالم وتبني على ماتم من توطين لبعض الصناعات وإدخال صناعة الطاقة الشمسية بكافة عناصرها وطاقة الرياح أيضا من ضمن أعمدة الاقتصاد السعودي في المستقبل، وقال: سيضاف إلى ذلك مشاركة الكوادر البشرية السعودية لتكون عنصرا أساسيا لتقييم مدى كفاءة العروض وأي عرض سنختار بالإضافة إلى العنصر المالي المهم جدا والتكلفة ستكون معيارا أساسيا مع الموازنة لعناصر مهمة أخرى كالتوطين ومشاركة الموارد البشرية. كما أعرب عن طموحه من خلال هذا البرنامج بأن يكون فيه دمج لخبرات القطاع الخاص السعودي بما لديه من كفاءات وموارد مالية مع مايوجد لدى العالم من قدرة على إدخال تحالفات ليس فقط في هذين المشروعين وإنما البناء عليها لبناء المنظومة التي ستنمو بشكل متسارع خلال السنوات القادمة ومن ثم الانطلاق لدول العالم.
وأفاد أن الطاقتين الشمسية والرياح مستقبلها كبير جدا خاصة في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا ووسط آسيا، وهي واعدة جدا من حيث الإنتاج والاستهلاك وتقنيات الربط بين المناطق تنخفض تكلفتها وتزيد فعالياتها، وبالتالي سيكون في المستقبل إمكانية تصدير الطاقة سواء عبر تصدير الطاقة الكهربائية أو تقنياتها، وإنشاء المشاريع في كافة أنحاء المملكة التي تعد هدفا من أهداف المملكة في هذا القطاع وتطوير صناعاته في المستقبل. وحول البرنامج والاطار الزمني لتنفيذ البرنامج والمشاريع المنفذة في إطارها وتكاليفها الرأسمالية، قال المهندس الفالح: إن الاستثمارات المتوقعة من هذه المرحلة تتراوح بين 30 إلى 50 مليار دولار، وكلما انخفضت التكلفة كان من صالحنا لأننا لا نسعى لرفع التكلفة، مبينا أن هذه هي المرحلة الأولى المتمثلة بحجم الطاقة وسيتبعها مشاريع لإنتاج عشرات الجيجاوات من الطاقة المتجددة.
وأكد أن الطاقة المتجددة ستكون هي الأساس وليست المكمل للطاقة الأحفورية، وتابع: كلنا نعلم أن النفط والغاز هي المصادر الأساسية وهي المصدر الوحيد في المملكة تقريبا وفي العالم، وسيتم بالتدرج استبدالها بالطاقة المتجددة لأن المصادر التقليدية مصادر ناضبة سواء استبدلت خلال 70 سنة أو 150 سنة فسيتم استبدالها، ولذلك يجب أن تكون المملكة من الدول المتقدمة والرائدة في هذا المجال لنستمر في ريادتنا على المستوى العالمي في مجال الطاقة بشكل عام». كذلك أعرب عن اعتقاده بأن تكون المرحلة الأولى في حدود 700 ميجاوات، ويكون في العام 2018 عدد مضاعف من المشاريع التي ستطرح، وفي 2019 كذلك، وسيكون حجم الطاقة المستهدف والمقدر بنحو 9500 ميجاواط بحلول عام 2023 بتدرج تصاعدي كبير جدا في طرح المشاريع في السنوات القادمة، مفيدا بأن مشاريع 700 ميجاواط الحالية ما هي إلا خطوة أولى.
وحول اختيار المناطق التي ستنفذ فيها المشاريع وآلية اختيارها، أبان المهندس خالد الفالح أن المملكة تعتمد على حرق النفط والغازكمصدر لإنتاج الكهرباء وتحلية المياه بالكامل وفي معظم الدول الأخرى هناك مساهمة لمصادر أخرى كالفحم الأقل تكلفة وأيضا مصادر الطاقة المتجددة التي بدأت تدخل في عدد من الدول بدرجات متفاوتة. وقال «إن بالمملكة أعلى تكلفة وأقلها كفاءة هو الديزل الذي يعد مكلفا جدا وأقل كفاءة من حيث تحويل الطاقة الحرارية إلى كهربائية، والوزارة تستهدف استبدال الديزل كأولوية أولى، والمناطق غير المركزية كالجوف وتبوك يستخدم فيها الديزل بكثرة ولذلك كان لها الأولوية، كما أن تبوك تتميز من ناحية جودة مصادر الرياح فيها واستمراريتها على مدى العام وسرعتها وتعد من أفضل المناطق في العالم لإنتاج هذا النوع من الطاقة، ولذلك وقع عليها الاختيار، إضافة إلى توفر الأراضي المناسبة لذلك والتي كانت محجوزة مسبقا وأجريت عليها دراسات فنية مكتملة بطرحها بأقل مخاطر على المطورين».
وحول الظروف الطبيعية التي قد تواجه مشاريع الطاقة المتجددة في المملكة وهل تم معالجتها والتغلب عليها، أوضح وزير الطاقة أن المشاريع التي أقيمت سابقا كانت مشاريع تجريبية للطاقة الشمسية بعضها لاتزال تعمل ومن بينها مشروع للطاقة الشمسية في مركز الملك عبدالله الذي ينتج تقريبا مابين 5 إلى 6 ميجاوات ويتم مراقبة إنتاجه وكفاءته خاصة مايتعلق بقدرة الخلايا الشمسية ومدى تأثرها بالحرارة العالية أوالعوالق الترابية وغيرها، كما أن شركة أرامكو نفذت مشروعا لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية ينتج 10ميجاوات باستخدام تقنية يابانية دقيقة، ومشروع آخر نفذته أرامكو في جزيرة فرسان مرتبط بشبكة الشركة السعودية للكهرباء الذي يعمل منذ عدة سنوات، ولذلك تكونت لدينا خبرة تعززها مراكز الأبحاث السعودية في هذا المجال.
وأشار الفالح إلى امتلاك المملكة لمراكز بحثية متقدمة ونشطة في مجال الطاقة المتجددة ستسهم بدورها في تعزيز مستقبل الطاقة المتجددة في المملكة وتحويلها لصناعة مستدامة، مبينا أن لدى شركة أرامكو روبوت مبتكر يعمل على تنظيف الخلايا الشمسية من الغبار وسيدخل مجال التطبيق قريبا، ولذلك كل المعوقات سيتم التغلب عليها إذا كان هناك إصرار واستفادة من البحث العلمي والابتكار والعمل المشترك بين أجهزة الدولة ومراكز البحثية والشركات الرائدة من داخل وخارج المملكة ونقل التقنية منها. وقال: «إن محطات توليد الطاقة الشمسية والرياح لا تعمل لوحدها بل لابد أن تربط بالشبكة العامة للكهرباء ويجب أن تكون مدعومة بمصادر أخرى عند انقطاعها، وفي هذه الحالات يجب أن يكون هناك احتياطي جاهز للدخول في الشبكة من خلال المحطات التقليدية التي تعتمد على الغاز الطبيعي بالدرجة الأولى «.
وأبرز الفالح الاستراتيجيات التي اتخذتها المملكة فيما يخص استهلاك الطاقة، من بينها برنامج كفاءة الطاقة الذي أسهم في رفع معدلات الكفاءة العالية في كافة قطاعات الطلب على الطاقة سواء أكانت في المنازل من خلال الأجهزة المنزلية والتكييف خصوصا أو في السيارات أو في العزل الحراري للمباني، إضافة إلى برامج مشتركة مع شركة الكهرباء لإدخال معدلات عالية جدا من كفاءة الطاقة في إنتاج الكهرباء، حيث كان في السابق يتم إنتاج الطاقة بمعدل يقل عن 30 % وتصل إلى 27 % من الطاقة الحرارية الموجودة النفط والغاز، وحاليا نبلغ معدل 34 % وستدخل في المستقبل مشاريع جديدة في مجال الإنتاج تبلغ معدل كفاءة تروبيناتها 60 % وأكثر من ذلك والمعدل يتزايد بالتدريج. ورأى أن ازدياد استخدام الغاز في محطات الإنتاج سيسهم في تحسين كفاءة الإنتاج بالمحطات حيث كانت معدلاته في السابق غير كبيرة ولكن مع الاكتشافات الجديدة من قبل «أرامكو» تمكنت الشركة من استكشاف احتياطات ضخمة للغاية. وتابع «في الصيف استطعنا أن نصل إلى 10 مليارات مكعب من إنتاج غاز الوقود الذي يستخدم في محطات إنتاج الكهرباء والمياه في المملكة، والهدف أن نصل إلى 70 % من الوقود المستخدم في الكهرباء والتحلية من الغاز و30 % الأخرى نطمح في يوم ما أن نحصل عليها من الطاقة المتجددة أو أكثر من ذلك في حال انخفاض تكلفتها ونجاح المملكة في البرنامج الذي نتحدث عنه اليوم».
وزاد المهندس الفالح إن نجاح مشاريع الطاقة المتجددة سيعمل على توفير المزيد من استهلاك السوائل كالنفط والديزل وزيت الوقود التي تستخدم في مشاريع الكهرباء والمياه التي ستوفر لتصديرها او الاحتفاظ بها للأجيال القادمة، وأن كل جزء من النفط سيكون له سوق واعد على المدى المتوسط والبعيد، ولسنا قلقين من انعدام الأسواق لثروتنا الطبيعية الكثيرة بيد أن هناك حاجة ماسة للنفط كوقود أو كمنتجات بتروكيماوية.
من جانبه، قال رئيس مجلس إدارة هيئة تنظيم الكهرباء والانتاج المزدوج وعضو اللجنة الإشرافية للطاقة المتجددة الدكتور محمد الجاسر «يسرنا أن يكون لنا دور مساهم في برنامج الطاقة المتجددة، فالتحول إلى مزيج متوازن من الطاقة يمثّل حجر الأساس لرؤية 2030، ويشكّل جوهر اقتصادنا المستقبلي».
وحول المناقصات التي طرحت في مجال الطاقة المتجددة، أوضح وكيل وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية لشؤون الكهرباء ورئيس مجلس إدارة الشركة السعودية للكهرباء الدكتور صالح العواجي أن مشروع العيينة للطاقة الشمسية يستخدم حاليا للبحث والتطوير ولايزال، أما مشاريع الطاقة المتجددة السابقة التي طرحت من قبل الشركة السعودية للكهرباء فقد كانت مشاريع صغيرة قبل اعتماد البرنامج الوطني للطاقة المتجددة وبعدها سيكون المظلة الوحيدة لكافة المشاريع من هذا النوع. وأفاد بأن أعلى طاقة للمشاريع التي طرحتها الشركة سابقا كانت 50 ميجاوات وهي مشاريع صغيرة جدا بالمقارنة بما سيتم طرحه من مشاريع كبيرة ضمن البرنامج الوطني للطاقة المتجددة، مشيرا إلى أن طرح المشاريع سيكون في مناقصات معلنة ومفتوحة للمطورين المؤهلين لهذه المشاريع، وليس هناك تقديرات محددة وستتضح الأسعار حين طرحها ومن ثم تأتي العروض عليها.