فضل بن سعد البوعينين
أضحت الطاقة المتجددة خيارًا استراتيجيًّا للحكومة، وهدفًا رئيسًا من أهداف رؤية المملكة 2030 الملتزمة بإنتاج 9.5 جيجا من مصادر بديلة. التحوُّل نحو نشر وتعزيز المصادر المستدامة للطاقة، والاعتماد على مزيج متوازن من الوقود الأحفوري وموارد الطاقة المتجددة، ليس بالأمر المستحيل متى حضرت الإرادة والقيادة المحترفة القادرة على تحقيق الأهداف وفق المعايير العالمية.
زيادة الطلب على الطاقة، وارتباطه بشكل أكبر بالتنمية الاقتصادية، من مقومات الاستثمار في الطاقة البديلة. وإذا ما أضفنا إلى ذلك النمو السكاني الكبير فمن المتوقع أن يكون هناك نموٌّ في الطلب على الطاقة بشكل أكبر من النمو المحقق في إنتاجها؛ ما يحفز المستثمرين على ضخ استثمارات أكبر في الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وفي الجانب الآخر، تركز الحكومة على خفض اعتمادها على النفط في توليد الطاقة الكهربائية، وخفض الانبعاثات الضارة، وتحقيق هدف الاستدامة، وهو أمر يعتمد تحقيقه بشكل رئيس على الطاقة البديلة.
وزير الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، المهندس خالد الفالح، أكد في (مؤتمر أبوظبي للطاقة) أن «السعودية ستطلق في الأسابيع المقبلة برنامجًا للطاقة المتجددة، يتوقع أن يتضمن استثمارات، تصل قيمتها إلى ما بين 30 و50 مليار دولار بحلول 2023.. وأن مصادر الطاقة المتجددة هي جزء لا يتجزأ من مزيج الطاقة في المستقبل، وأن هناك حاجة إلى مزيد من النمو فيها». لا خلاف على أهمية مصادر الطاقة المتجددة، وقدرة المملكة على تحقيق ذلك الهدف بوجود الإمكانات المالية، والتقنية، والكفاءات الإدارية والفنية، غير أن الاستثمار في قطاع الطاقة يحتاج دائمًا إلى التشريعات الواضحة، والشفافية المطلقة، والمرجعية المستقلة، وعدالة المنافسة، ووقف الاحتكار، وفتح السوق.
لا يمكن لقطاع الطاقة أن يزدهر بمعزل عن بيئة الاستثمار الجاذبة والمحفزة على الإبداع، والإنتاجية، والمحققة لمتطلبات التنافسية والشفافية المطلقة والعدالة. سيطرة شركة الكهرباء على قطاع توليد الطاقة الكهربائية لفترة تزيد على نصف قرن أعطتها قدرة استثنائية للتحكم بالسوق، والتأثير على الحكومة، وعرقلة استثمارات الطاقة المتجددة وتأخيرها بشكل أضر باقتصادنا الوطني، وأمن الطاقة. قد يجهل البعض أن المشروع الأول للطاقة الشمسية في المملكة أطلق العام 1981، وهو المشروع الذي لم يحالفه النجاح لقصور النظرة الاستراتيجية التي اعتمدت تكلفة الإنتاج معيارًا لتقييم المشروع، بدلاً من هدف تنويع مصادر الطاقة وتطوير القطاعات الاقتصادية واستثمار مقومات النجاح.
شكَّل العام 2010 المرحلة الثانية الأكثر وضوحًا لإطلاق مشروعات الطاقة المتجددة بإنشاء مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة. وبالرغم من قوة الانطلاقة إلا أنها لم تلبث أن هدأت لأسباب مختلفة، ومن بينها معوقات قطاع الطاقة غير المكتمل، وعدم وجود المرجعية الموحدة (المنظم)، وغياب الشفافية التي حالت دون المضي قُدمًا في مشروعات الطاقة البديلة. احتكار السوق المحلية وضعف التشريعات وغياب الشفافية دفعت بالاستثمارات السعودية للبحث عن فرص في دول أخرى، تتوافر فيها متطلبات المنافسة العادلة والتشريعات الصارمة والمرجعية الموحدة. نجاح شركة «أكواباور» السعودية في دبي والمغرب وجنوب إفريقيا يؤكد أن المعوق الرئيس لا يرتبط بشركات القطاع الخاص والكفاءات السعودية التقنية والإدارية، بقدر ارتباطه ببيئة الاستثمار والتشريعات وعالة المنافسة.
توجُّه الحكومة نحو خصخصة شركة الكهرباء قد يواجه أيضًا بمعوقات لأسباب مرتبطة بالاحتكار. لا يمكن لشركة الكهرباء أن تكون الخصم والحكم في آن، بل يفترض أن تتحمل وزارة الطاقة مسؤولياتها في مواجهة المعوقات (المصطنعة) والمخاوف غير الواقعية، التي ستتسبب في تأخُّر قطاع الطاقة، وتوقف الاستثمارات المحلية والأجنبية، وهروبها نحو دول الجوار الأكثر انفتاحًا وشفافية وتنافسية وتنظيمًا.
يفترض أن يكون الفصل الكلي بين إدارة قطاع الطاقة وشركة الكهرباء من أولويات عمل الحكومة إن أرادت تحقيق النجاح في جانبي خصخصة القطاع وزيادة حجم الاستثمارات الخاصة في الطاقة البديلة. تطبيق الحوكمة ورفع مستوى الشفافية والتنافسية وتحقيق العدالة هي الحل الأمثل للجميع، وهي ما أحسب أن وزارة الطاقة مهتمة بتحقيقها في برامج إعادة الهيكلة.
إنشاء وزارة الطاقة، وتوليها مسؤولية تنظيم القطاع، ورفده بالتشريعات، إحدى أهم أدوات الإصلاح الداعمة لإعادة بناء قطاع الطاقة على أسس من الشفافية والعدالة المطلقة. وقوف الوزارة على مسافة واحدة من جميع مكونات السوق وشركاته، وتوفير المظلة الشاملة والمرجعية العادلة، هما ما يحتاج إليه القطاع من أجل النهوض وتحقيق الانطلاقة السريعة نحو الهدف المرسوم في رؤية المملكة 2030.