د. فوزية البكر
في وجه مد يميني متطرف يجتاح العالم يبدو من المهم أن نعيد تأكيد القناعات الأساسية للتراث الإنساني المشترك الذي سيحفظ بقاء البشر فوق هذه الأرض رغم تطرف بعضهم وهو أننا أبناء هذه الأرض وأن المزيد من تنوعاتنا واختلافاتنا لا تهدد وجودنا بل تثريه وتطوره.
هنا يأتي التعليم كأحد الأدوات الأساسية التي ستساعدنا على التعايش وقبول الآخر وكما يقول جيرمي جونسون - في تقرير استشراف مستقبل التعليم والصادر من مؤسسة دبي للمستقبل ديسمبر 2016 فإن:
(التعليم قضية مهمة لقدرته الفعالة على جمع الناس، ومساعدتهم على التواصل فيما بينهم، ولذلك فإن فرص الحصول على التعليم، تؤدي إلى زيادة مستوى التواضع وتساعدنا على إدراك أن ثقافتنا ليست الثقافة الوحيدة الموجودة).
كيف يساعدنا مزيد من التعلم أن نكون أكثر تواضعًا وأقل تطرفًا ويمينية؟
لأنه يفتح أعيننا على أحوال العالم وتنوعاته الثقافية والجغرافية والمناخية والدينية والاجتماعية بكل ما يحفل به هذا التنوع من ثراء وغرابة وربما أشياء غير مستساغة أو قد لا نوافق على البعض منها ثقافيًا أو دينيًا لكن هذا لا يمنع أن نحترم ضرورتها للثقافة التي ظهرت فيها فليست ثقافتنا أو معرفتنا أو تفسيراتنا الثقافية هي المصدر الوحيد للتفسير. يعلمنا المزيد من التعليم أن نكون أكثر تواضعًا وقبولاً وأقل عنفًا وتطرفًا وهنا يصبح الحديث ليس فقط عن (نشر التعليم) بل عن (نوع التعليم) الذي نريد له أن يكون في مدارسنا ليساعد الناس أن يكونوا أكثر تسامحًا وأقل تطرفًا ويمينيةّ وبالتالي أقل خطرًا على أنفسهم والعالم.
في ذلك يؤكد الفيلسوف البريطاني زيغمونت باومان: استاذ الفلسفة والاجتماع في جامعة ليدز بأن (التنوع المذهل لأنماط الحياة لا يعد عائقًا مؤقتًا على طريق الوحدة، إِذ إنه حقيقة مؤكدة. بمعنى آخر، بيئتنا الاجتماعية، التي تمنينا من قبل أن تكون متجانسة، سوف تصبح بصورة محتملة فسيفساء الشتات. لا نمتلك خيارًا آخر إلا هذا العالم متعدد الثقافات، المكون من الاختلافات بالتالي، من اللازم أن نتعلم العيش مع هذه الاختلافات. وهذا فن يتطلب القدرة على الحوار، على الترجمة بين الثقافات، ولذلك لا بد من توافر ما يسميهم باومان بالمؤولين وهم أحيانًا قد يكونوا معلمين أو مثقفين أو كتابًا قادرين على مساعدتنا على فهم حالة الخوف التي تعم العالم وتدفعه إلى مزيد من التطرف.
صور الخوف المعاصر كما يرى باومان تظهر في أشكال مختلفة: وظائف غير ثابتة، معارف غير كافية، ضعف الصلات بين الناس، الضعف التدريجي للضمان الاجتماعي، تهديد الروائح السامة أو الأغذية المسرطنة، بل بلغت حتى حالة الأمن الشخصي للمواطن في الشارع وفي بيته.
قلق الإنسان المعاصر يقتات على كل هذه الصور، ويتعمق لكي يشكل حالة فكرية ومشاعر لا يمكن إلا لمصطلحات «عدم الأمان المنتشر» وصفها. نشعر بالثقة في أنفسنا إلى حد قليل، لأننا لا نعرف مم يتأتي قلقنا، ونجهل كيفية التعامل معه وهنا تأتي حالة الرغبة في الانكفاء والتقوقع كما يفعل اليمين المتطرف اليوم في أمريكا وأوروبا.
إذن وكما يرى باومان نحتاج إلى التعليم والمعلمين والفنانين والمثقفين لتعريفنا بطبيعة هذه المخاطر غير المرئية وأيضًا لتحذيرنا من التهديدات الخيالية ذات الأهداف السياسية أو التجارية التي امتلأ بها فضاء العالم وتحديدًا هذا الأسبوع مع هجمة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترمب ضد المسلمين.
ما يحتاجه العالم في مواجهة هذه الهجمة التي يتوقع أن تزداد شراسة على مدى السنوات العشر المقبلة هو مزيد من التعليم الكيفي الذي يؤكد على مشتركات الحياة الإنسانية ويعرف بفسيفسائها وفي ذات الوقت يعلم الطلاب (وهم الناس في كل مكان وبغض النظر عن أعمارهم أو أماكن إقامتهم) كيف يعبرون عن (فسيفسائهم) بطرقهم الخاصة التي تضيف للحضارة الإنسانية وتؤكد مشتركاتها حتى يعود العالم إلى رشده.
لا يتوقف مجتمعنا عن التغير، ولا نتوقف نحن عن التعلم، لذا يجب على أنظمتنا ألا يتوقف مجتمعنا عن التغير، ولا نتوقف نحن عن التعلم، لذا يجب على أنظمتنا التعليمية أن تدمج في مناهجها أفكارًا وتقنيات جديدة، كي نتمكن من تطوير طرق إبداعية لتشجيع الأجيال الجديدة على حب العلم. التعليمية أن تدمج في مناهجها أفكارًا وتقنيات جديدة، كي نتمكن من تطوير طرق إبداعية لتشجيع الأجيال الجديدة على حب العلم.