لله ما أعطى ولله ما أخذ وكل شيء عنده بمقدار، {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.. بعد سنوات طويلة من الكفاح والجد والاجتهاد رحل أستاذنا الفاضل ومعلمنا الشيخ محمد بن مرشد المثنى - رحمه الله - مدير عام المراسم الملكية سابقاً، بعد أن ملأ المحيط حوله بالنبل وكريم الصفات، ووضع بصمته في حياتنا الفانية حباً وعطفاً وحناناً وتسامحاً وإيثاراً عسى أن يلقى من رب كريم خير الجزاء وجنات عرضها السموات والأرض، في حياته الباقية، لا ينغصها حزن ولا كدر، إن ربنا سبحانه وتعالى الكريم ولي ذلك والقادر عليه.. لقد عرفت الراحل العزيز وقد تخلى عن منصبه فوجدته رجلاً كريماً معطاء متسامحاً لا يلاقيك إلا ووجه يشرق بابتسامة عريضة من قلب أدمن محبة الآخرين ويد ممدوة لمساعدتهم وقضاء حوائجهم ما استطاع إلى ذلك سبيلاً قبل أن يفصحوا بها.
وعرفته إبان تسنمه منصبه، فإذ هو الرجل ذاته لم يتغير ولم يتبدل، لم يغيره بريق المنصب ولم يؤثر فيه تركه للمنصب، لأن شخصية الراحل كانت شخصية أصيلة ومرت به الحياة مرور الكرام وهو يحمل المبادئ التي عاش عليها ومات بها. كان مفتاح شخصيته - رحمه الله - الذي لا يخطئه من عرفه هو الوفاء، ولقد أفرد في كتابه (صفحات من دفتر التاريخ ذكريات وخواطر) وأفاض في أحاديثه إلى أصفيائه وأحبائه، حبه العظيم وتقديره لهم وكان يتحدث عن أصدقائه ووصفهم بـ"أصدقاء كالذهب"، وكان يثني عليهم دائماً وكأنهم ماثلون أمامه.
من الناس من يأتي إلى هذه الحياة فإذا هي أجمل وأنبل، ويرحل عنا وفي الحلق غصة وفي الفؤاد حرقة،وعندما وصلني خبر رحيله - رحمه الله - في ذلك المساء الحزين، جالت في خاطري ذكريات لا تنسى وتنقل الخيال بين مجلسه العامر وبين رحلات التنزه وبين رحلات السفر الذي كان هو درتها وملكها غير المتوج، وكانت من أجمل الذكريات... كما كان من الأشياء التي سعدت بها صدور كتابه والذي تضمن سيرته الذاتية مع مراحل مختلفة من حياته، عسى أن تلمس فيها الأجيال المقبلة سيرة هؤلاء الرعيل من الرجال العصاميين، الذين لم تحدّ من طموحهم وسيرهم نحو المعالي الصعاب والعقبات، وكان - رحمه الله- مثالاً يحتذى من هؤلاء الأفذاذ.
رحم الله الفقيد العزيز الشيخ محمد بن مرشد المثنى وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وأحباءه وأصدقائه الصبر والسلوان إنه سميع مجيب.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
- سعيد محمد العماري