الخط يبقى زمانًا بعد كاتبه.. وكاتب الخط تحت الأرض مدفونًا.. بالأمس القريب وتحديدًا في مساء يوم الاثنين 26 ديسمبر 2016، ودعنا كريم السجايا الشاعر والأديب والمربي الكبير محب المعرفة وعاشق التاريخ ومؤرخ المملكة الشيخ عبدالرحمن بن سليمان الرويشد عن عمر ناهز الثامنة والثمانين عامًا، قضاها كظاهرة توثيقية متفردة ومؤرخ خاص في اهتماماته.
نذر الشيخ عبدالرحمن الرويشد، -رحمه الله-، نفسه للعلم والتأليف والتحقيق ودراسة أدبيات التراث، ورأس تحرير مجلة الدعوة، وأنشأ مجلة الشبل للأطفال عام 1403هـ، لتكون ذراعًا تربويًا يعنى بأدب الطفل. وشارك في أعمال دارة الملك عبدالعزيز، وفي إعداد المقررات الدراسية، كما نشر الكثير من المقالات التاريخية عن شخصيات أسهمت في تأسيس الدولة السعودية، ووثق أسماء الرجال الستين الذين دخلوا مع الملك عبدالعزيز وكتب تراجمهم وسيرهم.
رحلة المؤرخ والمحقق الشيخ عبدالرحمن الرويشد الطويلة والثرية بالعطاء والتوثيق تميزت بحرصه الشديد واهتمامه البالغ بحفظ التاريخ وبقائه واستمراره كتابة وتدوينًا ونشرًا وتوزيعًا، ظهر ذلك في عنايته بكل ما ينشر عن تاريخ المملكة خاصة، وصدحه برأيه تجاه ما يكتبه المستشرقون الذين تناولوا تاريخ الدولة السعودية الأولى والثانية والثالثة وفتح الرياض على يد الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، - طيب الله ثراه-. فكان تخصصه المشهود في التاريخ السعودي سمة بارزة من سمات شخصيته، وملأ الرويشد فراغًا كبيرًا في هذا الحقل لا يسده أحد بعده، وقدم له عاشق التاريخ خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله- كل الرعاية والدعم خلال مسيرته العلمية الطويلة، ووجَّه بالاستعانة برأيه وعلمه في كلِّ ما يتعلق بتاريخ مدينة الرياض، التي كان الشيخ الرويشد ملمًا بتاريخها وشخصياتها ومراحل عمرانها لكونه عاصر التحولات التي شهدتها، وكرمه الملك - حفظه الله- مرات عدة بصفته أحد الرواد الذين خدموا تاريخ الجزيرة العربية، فنال وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الأولى، لمساهمته في الذكرى المئوية لتأسيس المملكة العربية السعودية، وجائزة الملك سلمان بن عبد العزيز لدراسات تاريخ الجزيرة العربية في دورتها الثانية، واختاره خادم الحرمين ليكون ضمن مجلس دارة الملك عبدالعزيز، وكفي بذلك تكريمًا وتشريفًا. ومن كتبه الشهيرة كتاب "الجداول الأسرية للعائلة السعودية المالكة"، وكتابه المتمم "الفهرس الأبجدي للعائلة المالكة"، إِذ كان الرويشد يحفظ فروع آل سعود وسلالاتهم تفصيلاً قل نظيره، وكذلك معرفته بأسرة آل الشيخ.
والشيخ الرويشد -رحمه الله- كان نموذجًا للمواطن الصالح الذي تفانى في حب وخدمة وطنه، وما خلفه من إرث علمي سيبقيه في ذاكرة إخوانه وأصدقائه وسيخلده التاريخ السعودي، كأحد أعمدته الرصينة.
- سعود بن عثمان الروكان