في كل الأزمنة يعتبر موضوع الأمن ذا أهمية في حياة البشرية، ومن أهم أساسيات الفرد وأبسط حقوقه كالملبس والمشرب والمأكل. وفي علم النفس البشري صنّف ماسلو في هرم ماسلو الشهير للاحتياجات الإنسانية، الذي هو تحليل نفسي يرتب الحاجات عند الإنسان بتسلسل أهميتها، الاحتياجات الأمنية في الترتيب الثاني بعد الاحتياجات الفسيولوجية التي هي قاعدة الهرم.
في عصر الحداثة وزمن النيوليبرالية تواجه المجتمعات ذوات الثقافات المتعددة الغنية كمجتمعنا، تيارات فكرية شكلت على الصعيد الاجتماعي خللاً في التفكير، وعلى الصعيد الشخصي ازدواجية في الشخصية، لاعتماد الفرد على نظرتين متناقضتين، نظرة إسلامية معتدلة ونظرة غربية مضطربة. حيث إن الأول ينبذ التفرقة والتناقض ويقر التباين، أما الآخر فمحمل بنظريات متناقضة ومضللة.
ولتصدي هذه التيارات قامت المملكة العربية السعودية بإيجاد مفهوم يطلق عليه الأمن الفكري، الذي تعريفه هو سلامة النظر الذهني والتدبر العقلي، للوصول إلى النتائج الصحيحة بلا غلو ولا تفريط. وقد تبنت الصين هذا للمفهوم الأمني الذي لا ينحصر على دولتنا وإقليمنا بل على كل الدول التي تسعى للحفاظ على هويتها الثقافية والاعتزاز بها.
وعند التطرق للمواضيع الأمنيّة لا يكتمل الحديث إلا باستحضار مقولة صانع الأمن الفكري وقائده، رجل الأمن والأمان، نايف بن عبد العزيز - رحمه الله -، «أقولها بكل وضوح وصراحة نحن مستهدفون في عقيدتنا، نحن مستهدفون في وطننا، أقولها بكل وضوح وصراحة في علمائنا الأجلاء، وطلبة علمنا، ودعاتنا، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وخطباء مساجدنا.. دافعوا عن دينكم قبل كل شيء دافعوا عن وطنكم، دافعوا عن أبنائكم، ودافعوا عن الأجيال القادمة، يجب أن نرى عملًا إيجابيًا، ونستعمل كل وسائل العصر الحديثة لخدمة الإسلام ونقول الحق ولا تأخذنا في الحق لومة لائم، لنستعمل القنوات التلفزيونية، ونستعمل الإنترنت.. وأنتم كل مرة تقرأون ما فيه وتعلمون ما فيه.. أرجو من الله عز وجل لكم السداد والتوفيق». هذه وصية أمير الحكمة، فلكل زمن خطابه، فيجب علينا تغذية العقل بالاقتناع الفكري المرتكز على الاعتزاز والفخر والثقة بموروثنا الثقافي الإسلامي، فالمفاهيم الفكريّة ليست بضائع تصدر وتستورد كالمواد الخام. ونحن كمسلمين مسؤولون عن تبليغ ديننا بمفهومه الصحيح وحمايته وتطبيقه.
لقد قال المستشرق الإنجليزي هاميلتون جب الذي كرّس حياته لدراسة اللغة العربية وآدابها وتاريخ الإسلام وحضاراتها، حتى أصبح يلقب بالمستعرب في خدمة العرب «لقد استطاع نشاطنا التعليمي والثقافي عن طريق المدرسة العصرية والصحافة، أن يترك في المسلمين - ولو من غير وعي منهم - أثراً يجعلهم في مظهرهم العام (لا دينيين) إلى حد بعيد، ولا ريب أنّ ذلك هو اللب المثمر في كل ما تركت محاولات الغرب لحمل العالم الإسلامي على حضارته من آثار «. كان جب منصفاً ولطالما في كتاباته برز استقامة ووسطية ديننا وما أشار إليه أصبح واقعاً، ففصلنا بين علوم وأمور الحياة وبين العقيدة والأخلاق يتعارض تماماً مع تكامل منهجنا الإسلامي. فهذا الفكر دخيل علينا وأتى من نظريات الفلسفة الحديثة كأعمال ديكارت وسبينوزا اللذين أيدا الفصل بين الأخلاق والعلوم، ولكن منطقياً كيف تفصل بين ما يجب أن يكون متمازجاً.
للإنسان عدة عناصر منها النفس والعقل والجسد، وقد أخبرنا الله عز وجل أن النفوس ثلاثة: الأمّارة واللوامة والمطمئنة. ومن مصادر الحصانة لتحقيق الأمن الفكري ومواجهة واقع الإزدواجية الثقافية الحالية، هو فهم ديننا بمفهومه الصحيح لنزكّي ونحيي أرواحاً تحتضر. فتزكية النفس التي تعني تنمية الروح والأخلاق الجوهرية التي تنبعث من الداخل هي القاعدة لكل ما يتلوها قال تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسّاهَا}.