محمد أبا الخيل
في حقبة السبعينيات الميلادية, ما سبقها وتلاها عملت الدولة على تأسيس شركات، كان القطاع الخاص إما غافلاً عن جدواها أو غير قادر على تأسيسها وتمويلها, معظم هذه الشركات لا زالت قائمة اليوم، بعضها توسع ونجح نجاحاً باهراً وبعضها لا يزال بحجم تأسيسها يعاني ويصارع الوجود، عندما تأسست تلك الشركات كان لوجودها صدى يرن في كل أذن، وحتى بعد أن وجدت تلك الشركات وبات السبيل لتكوين الثروة بتبادل أسهمها بين الناس، ثم أصبح ذلك هو الهدف من تكوين كثير من الشركات المساهمة التي دخلت سوق التداول حينها، نحن اليوم نعاصر توجهاً شبيهاً بما حدث حينها، فالتحول الوطني يشمل خصخصة كثير من القطاعات مثل المطارات والبترول والغاز والصحة والتعليم وحتى الرعاية الاجتماعية وغيرها كثير، لذا سنرى عدداً كبيراً من الشركات ذات القصد الربحي تدخل للقطاع الخاص وإن لم تدخل أسواق التداول فهي لا شك ستنافس على الموارد المالية والبشرية والمادية، في هذا المقال لن أتحدث عن منافساتها المالية والمادية فذلك بعيد عن تخصصي، ولكن سأتحدث عن مواردها البشرية.
في حقبة السبعينيات لم يكن لدى الدولة خيارات واسعة في اختيار قيادات للشركات التي أسستها، كان معظم قادة تلك الشركات موظفي دولة لديهم طموحات تجارية أو أكاديميين لهم إعدادات معرفية، اختيار تلك القيادات لم يخضع في نظري لمعايير مهنية، لعدة أسباب أهمها، ضعف قدرة من يختار على الاختيار، لذا كانت تلك الشركات سفن ليس لقباطنتها فطنة أو معرفة وافية ببحارها، وهذا ما جعل معظمها اليوم يعاني.
اليوم لدينا عدة شركات، بل عشرات الشركات ستؤسس وسيكون على رأس كل شركة مجلس إدارة ولكل شركة رئيس تنفيذي، وأكاد أقول: إن معظم إن لم يكن كل تلك الشركات سترأس بموظف حكومي، إما وزير أو من هم تحت الوزير وستدار بمن هم محل ثقة أو معرفة من الوزير أومن يساعد الوزير, وتبعاً لذلك سنحظى بشركات تدار بمحسوبيات ومعايير تعتمد على معطيات غير واقعية.
هذا الكلام ليس تعميماً بقدر ما هو انطباع لواقع عاصرته في بداية سيرتي العملية، فالشركات التي يقودها مسؤول حكومي سابق تكون حكومية في كل شيء ما عدا كونها تبيع خدماتها أو سلعها بمقابل.
أنا رجل أعمل في اختيار واستقطاب القيادات التنفيذية للشركات منذ العام (2000م)، ومن خبرتي أستطيع أن أجزم بأنه لا يزال كثير من القيادات التنفيذية لشركات هامة ومؤثرة في القطاع الخاص والتي معظمها أو بعض منها ملك للدولة، يختار بمعايير الثقة والقرابة والصحبة لصاحب القرار الحكومي، وهذا أحد أهم أسباب إخفاق تلك الشركات. لذا أعتقد أنه من الملائم أن يتم اختيار مجالس إدارة تلك الشركات الحكومية المزمع تأسيسها من رجال الأعمال المشهود لهم بالنجاح في أعمالهم، وتجنيب موظفي الدولة مهما كانت مناصبهم من تلك المهام، ليس لسبب، سوى أنهم لا يملكون القدرة والمعرفة والخبرة لقيادة مؤسسات تجارية، تلك المجالس التي ستقود تلك الشركات ستكون مسؤولة مسؤولية ذمية ومعنوية عن وضع قيادات تنفيذية تحقق لتلك الشركات أهدافها ورسالتها وهي بذلك سوف تسعى وتجتهد في الاختيار لتلك القيادات.
كثير من ذوي الاطلاع المحدود من ذوي القرار يعتقد بأن البلاد خالية من القيادات الإدارية التي يعتمد عليها بحكم البعد عن الواقع العملي، لذا يشتط في البحث عن مديرين أجانب مهما بلغت تكلفتهم، مثل هذا يجهل أن بلادنا اليوم تزخر بكثير من المواطنين ذوي الكفاءة والثقة والمقدرة على إدارة شركات مليارية، لذا يجب أن يعتمد على هؤلاء وعلى من يعرف المجال من مكاتب ومؤسسات توظيف التنفيذيين السعوديين وهي كثيرة ومنتشرة في كل البلاد أو أن يترك هذا الأمر لذوي الاختصاص في المجال فهم أدرى الناس بمن يصلح للعمل.
هذا المقال هو رسالة استباقية لمعالي الوزراء المسؤولين عن تأسيس قطاعات تجارية نتيجة تخصيص خدمات وزاراتهم، لأننا لا نريد أن نقول «ما أشبه اليوم بالبارحة».