«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
كثيرون من الناس في العالم، ربما يعدون بالملايين، الذين يعانون من اختلاف مزاجهم عند حلول فصل الشتاء؛ فتجد بعضهم ينامون مدة أطول، وعند استيقاظه تجده غير مرتاح، ويكون مزاجه متعكرًا، مضطربًا.. وهناك حتى من يشعر بالتعب والإجهاد عند ممارسته عملاً ما؛ وبالتالي يقل نشاطه، وحتى إبداعه إذا كان يمارس عملية إبداعية (رسم، نحت، كتابة أو حتى ممارسته العزف؟!)؛ لذلك نجد البعض من الميسورين يتجهون في فصل الشتاء إلى مناطق دافئة بعدما وجههم إلى ذلك أطباؤهم، أو حتى اكتشفوا بالمصادفة أن هذا المكان مناسب لصحتهم. وكنت قد تعرفت قبل سنوات على فنان فرنسي في أحد المعارض في «مدريد»، وأخبرني بأنه يقضي جزءًا من فصل الشتاء مع أسرته في إسبانيا هروبًا من برودة الشمال الفرنسي، وبحثًا عن أشعة الشمس، بعدما اكتشف منذ صغره أن مناخ الشتاء يشعره بالاكتئاب وحتى الكسل، رغم أن بعض أفراد أسرته لا يشعرون بذلك. وتجدر الإشارة إلى أن أطباء الإغريق القدامى أول من لاحظ تأثير الشتاء على مزاج الناس.. ويتبدل المزاج وحالة الناس حسب الفصول..؟! وفي السنوات الأخيرة تطورت الدراسات، وبدأ العلماء والأطباء أصحاب الاختصاص في إجراء المزيد من الأبحاث والدراسات والتجارب، كما فعل المعهد الأمريكي للصحة العقلية، الذي اكتشف باحثوه علاقة قصر النهار بإطلاق تفاعلات كيميائية في بعض الناس؛ ما يسبب أعراضًا للكآبة؟!
واكتشف العلماء - حسب موقع (NHS) - أن كآبة الشتاء وليدة عدم وجود ضوء في النهار، فإن كنت تشعر بانخفاض الضوء في فصل الشتاء في المكان الذي توجد فيه فعليك لتحسين مزاجك والابتعاد عن الاكتئاب بالحصول على إضاءة أفضل بقدر ما تستطيع، وخصوصًا في الأيام المشرقة، كأن تجلس بجوار نافذة أو شرفة؛ فهذا يساعد أيضًا، أو الاستمتاع بعطلة مشمسة في مكان ما. وهذا الأمر يمكن أن يكون فعالاً. وفي الدول التي تعاني من شدة البرودة في فصل الشتاء، واضطرار الكثير من الناس للجلوس داخل بيوتهم، وبالقرب من المدفأة، هناك من يطلق على هذه الظاهرة (حمى الكوخ)؛ فالعزلة وانعدام الحركة والرياضة البدنية والعقلية يمكن أن تسبب لنا الإرهاق وتوتر الأعصاب، وفي بعض الحالات قد يصاب الناس بالهلوسة أ و حتى الإقدام على العنف. وفي دراسة أعدها الدكتور دانيال كريبكي من المركز الطبي التابع للمحاربين القدماء في سان دييغو أن التعرض للضوء التوهجي (فلوريسنت) لمدة ساعة يمكن أن يحسن من مزاج المصابين بالكمد. ويرى كريبكي أن الاعتلال الفصلي قد يكون شكلاً مفرطًا من الوتيرة الفصلية التي ورثناها عن أجدادنا؟!
هذا، وبشكل عام، وهروبًا من حالة اكتئاب فصل الشتاء، علينا قدر المستطاع الانطلاق خارج بيوتنا للاستمتاع بما تزخر به بلادنا من شمس مشرقة ومزارع ونخيل، باتت - ولله الحمد - في كل مكان، وعلينا أن نعيد النظر في إضاءة بيوتنا، وأن تكون الإضاءة جيدة، بل من الأهمية أن تكون ممتازة كما ينصح العلماء وخبراء الصحة..؟!