د. جاسر الحربش
أجزم بأن الطفل السعودي عند التحاقه بالمدرسة لم يسبق له أن مرّ من قبل بشيء اسمه التفكير الذاتي، وأنه قد يتخرج من الثانوية العامة على نفس الحال. بما أن المرحلة الجامعية تعني بالأساس الاعتماد على التفكير المستقل في فهم المادة والفكرة والمعلومة، فمن الطبيعي أن الطالب الجامعي عندنا يتخرج كما دخل بلا قدرات على التفكير والتحليل المنهجي حتى لو استبطن المنهج عن ظهر قلب ونجح بالامتياز كالحافظ ابن حجر. النسبة القليلة من الطلاب المتميزين فكرياً في مراحلنا الجامعية هم أولئك الذي رزقهم الله في المنزل بيئة تربوية فكرية تعوض النقص في التعليم المدرسي.
أجزم أيضا أن علة التحذير و(ربما التحريم) من ممارسة الشطرنج الذهنية في بيئتنا الفقهية والاجتماعية لها أصول سياسية قديمة لم تكن تريد للإنسان التعود على التفكير المنطقي والتخطيط الميداني المفتوح على الاستعمال الأقصى للعقل لكيلا يكثر من الأسئلة وليبقى محبوسا في سذاجته الفطرية المحدودة بمتطلبات الحياة اليومية. ربما لاحظ القارئ النبيه أنني لم أستعمل مصطلح «لعبة الشطرنج» بل رياضة الشطرنج. التنافس بين متبارزين متقابلين جالسين (دون حاجة إلى استعمال الكلام والسلاح) على السيطرة الميدانية والعساكر والخيول والقلاع فوقها، ذهنيا فقط، هذه ممارسة رياضية عقلية عالية المستوى تكسب الممارس مع التكرار سعة أفق لا يدركها من يجهل فوائد هذه الرياضة العقلية.
عندما تكون منافسة الشطرنج مفتوحة للمتفرجين، ولنفترض في الفصل المدرسي أو باحة المدرسة، تكتمل فائدة التدريب الذهني للجميع من خلال متابعة الخطوات الذكية أو الفاشلة التي يؤديها كل متنافس على رقعة الشطرنج. بهذه الطريقة تكون لدينا وسيلة لتعليم التلاميذ الصغار منذ البدايات طريقة التعامل الذهني مع المكان والزمان والهجوم والدفاع واستباق خطوات الفكر المضاد دون حاجة إلى السبورة أو عصا المعلم.
سبق أن كتبت وكتب غيري في هذا الموضوع وتم الحديث فيه على الفضائيات، ويبدو أن السلطات التعليمية تعاملت معه باستخفاف باعتباره مجرد سفسطة وترف فكري لا تستحق الاهتمام. مرة أخرى أعود إلى الموضوع. التلاميذ من الجنسين في مدارسنا لا يحصلون على أي حصة من التعود على استعمال العقل والتفكير من خلال نقاش مفتوح على حريات التحليل والتعبير. طالما أن هذه هي الحال الذي هو كذلك، فلماذا لا نستفيد من إدخال رياضة الشطرنج العقلية في مناهج التعليم ونترك التلميذ يتعلم ذاتيا كيف يفكر ويحلل ويتصرف. أرجوك يا معالي وزير التعليم فكر هذه المرة جديا في الموضوع.