عروبة المنيف
ساهم التسارع العظيم في تطور التقنيات الاتصالية وتوافر وإتاحة وسائل التواصل الاجتماعي للجميع في إحداث فجوة كبيرة بين القدرة على استيعاب وإدراك وفهم الهدف من تلك التقنيات وطرق استخدامها المثلى، وبين الاستخدام الفعلي لها من قِبل الغالبية العظمى وعلى كل المستويات، سواء على المستوى الفردي أو الجمعي أو المؤسساتي.
في المنتدى الذي عقدته وزارة التعليم تحت مسمى «الإعلام صديق الطفولة»، الذي يهدف إلى «إكساب الإعلاميين خلفية معرفية ومهارية حول المبادئ المهنية لمعالجة الإعلام العربي والمحلي لقضايا حقوق الطفل؛ لتمكينهم من تفعيل دورهم لدعم ومناصرة حقوق الطفل، وتضمين ذلك في رسالتهم الإعلامية»، تم تسليط الضوء على حق الأطفال في الحماية من الهجمة الاتصالية غير المقننة؛ ما يجعلنا أمام تحديات مجتمعية خطيرة؛ ينبغي التصدي لها.
من ضمن التوصيات التي طُرحت للنقاش في ذلك المنتدى هي إدراج مادتي «التربية الأخلاقية» و»التربية الإعلامية» على المستوى المؤسساتي بهدف تعليم «المواطن الإعلامي» كيفية التعامل مع المواد الإعلامية التي بين يديه، ومراعاة القيم والأعراف والأخلاق المجتمعية عند عرض أو نشر أي مادة إعلامية، بما يضمن خصوصية الآخرين، والالتزام بالمعايير التي تحكم نشر وعرض أي مادة إعلامية.
إن التربية الإعلامية ضرورية للجميع، سواء «للمواطن الإعلامي» أو «للإعلامي الممتهن»؛ ليكون هناك إطارٌ منظمٌ، يحكم النشر للجميع؛ فالانفجار المعلوماتي المتسارع ينبغي التحضير والتصدي له بما يضمن تحقيق الاستفادة العظمى، وبأقل الخسائر الممكنة؛ فهناك أدبيات وأخلاقيات تحكم نشر أي مادة إعلامية، ولاسيما أن جميع الناس بكل الأعمار أصبحوا إعلاميين، ينشرون ما يروق لهم بدون حسيب ولا رقيب؛ لذلك فإن الاحتكام للأخلاق وللمبادئ الإعلامية أمر ضروري وللجميع في ظل تلك الظروف، ولاسيما أن المتلقين من الأطفال لديهم حقوق علينا في حمايتهم من التعرُّض للمواد الإعلامية المخالفة للقيم والمبادئ والأعراف المجتمعية.
إن إدراج مادة «الأخلاق» ومادة «التربية الإعلامية» ضمن مناهج وزارة التعليم أصبح أمرًا ملحًّا في هذا العصر؛ إذ تتداخل المادتان؛ فمن غير المنطقي تعليم الأطفال مبادئ النشر والأحكام التي يتعرض لها من يسيء لقواعد النشر المخالف للقيم والعادات والمعايير المجتمعية من دون تعليم الطالب أخلاقيات التعامل مع الآخرين واحترامهم واحترام خصوصياتهم وعدم انتهاك حرياتهم بتصويرهم - على سبيل المثال - بدون أخذ إذنهم، فضلاً عن النشر والتشهير بهم؛ إذ تضج وسائل التواصل الاجتماعي بتلك الانتهاكات.. فليس كل ما يقع بين أيدينا صالح للنشر، وليس كل ما يتم تصويره هو مادة إعلامية يحق للجميع الاطلاع عليها. هناك قيم ومبادئ وأخلاقيات يتوجب تعلمها والالتزام بها من قِبل «المواطن الإعلامي»، فضلاً - طبعًا - عن الإعلامي الذي يتوجب عليه الاحتكام لقواعد «الأخلاقيات المهنية» التي تنظم عمله؛ فالقضية الآن ليست قضية «إعلام تقليدي» أو»إعلامي ممتهن»، بل تعدت ذلك، وأصبحت أوسع وأعمق.. إنها «إعلام جديد» و»ومواطن إعلامي» غير منضبط؛ ينبغي ضبط سلوكياته.