تلقى الأعمال التَّراثيَّة والثَّقافيَّة اهتماماً كبيراً في بلادنا المترامية الأطراف منذ زمن طويل وقديم وبشكل متواصل ومستمر من قبل الجهات المعنية الرسمية والمحلية على الرغم من قلة الإمكانيات المتاحة في ذلك الوقت إلا أن المهتمين بهذا القطاع لا يزالون يحافظون على هذه الأعمال التراثية العريقة بالشكل المطلوب ومنذ انطلاقة مهرجان الجنادريَّة للتراث والثّقافة في عام 1405هـ الموافق 1985م حتى وقتنا الحاضر فكان اللقاء السّنوي بين هؤلاء المهتمين بالأدب وبالثّقافة وبالتراث الذي يقام على أرض الجنادريَّة كل عام فقد أصبحت تلك اللقاءات تتطور رويداً رويداً وتتوسع بشكل منظم ومتطور وذلك بسبب الدعم اللامحدود الذي يعكس توجه الدولة بالمحافظة على التراث والثقافة ويُدار من قبل فريق عمل متكامل من مسؤولين وخبراء ومستشارين وباحثين في مجال التَّاريخ والتراث والأدب وفقاً للخطط المعدة لهم مؤكدين استخدامهم للأساليب العلميَّة المتطورة والبرامج الإلكترونية المعتمدة لإجراء الدِّراسات والبحوث الميدانية والتحليل الإحصائي لقياس نبض الشَّارع السعودي وتطلعاته فقد تحول هذا المهرجان السنوي من حدث عادي إلى لقاء عالمي للتراث والثقافة يدعى إليه من خيرة الأدباء والمفكرين والباحثين والنقاد والإعلاميين جاد كافَّة شرائح المجتمع الوطني والخليجي والعالم العربي والإسلامي والدولي لحضور برامج هذا المهرجان التراثي والثقافي ومشاهدة الأعمال التراثيَّة والمهنية المتعدِّدة التي تتنافس فيها كافَّة القرى بالمحتوى والمضمون مما يجعلها تعزز الانتماء الوطني وتطور التراث القديم حتى يتسنى لها ربط الماضي بالحاضر بأشكال وأساليب تساعد الجمهور على استيعابها بالشكل المطلوب إلى جانب أجنحة الدول المشاركة مما يجعلها ترفع من قيمة وأهمِّيَّة هذا المهرجان التراثي العريق إلى جانب الفعاليات الهامة والهادفة من حوارات ثقافية ومناقشات أدبية وفكريَّة وتاريخيَّة مما زاد من إثراء الفكر الأدبي والتاريخي والتراثي عند المشاركين في هذه اللقاءات الجميلة التي تعقد على مدار المهرجان.
فكل أُمَّة من الأمم لها تراث تحافظ عليه وتفاخر من أجله وتباهي سائر الأمم من خلاله وتدافع عنه بكل ما تملك من عدة وعتاد كما أن لها رأياً عاماً وعرفاً عاماً ولكل دائرة لها اختصاص معين لن تستطيع أن تفترق عنه أو تبتعد عنه.. فالأُمَّة التي تحافظ على تراثها على ضوء مبادئها وثوابتها الدِّينيَّة والفكريَّة تظلُّ بإذن الله تعالى شامخة عالية مدركة ومستوعبة كافَّة حقائق الأحداث الماضية في تلك الأزمنة الغابرة التي أحاطت بأسلافهم من الأمم -وأُمَّة بهذا الشأن ستصبح بإذن الله قوية ومتماسكة على اتخاذ مواقعها الموحدة تجاه الأمم الأخرى وذلك بالمحافظة على شتات الآراء والأفكار التي يطرحها العلماء والمفكرين في هذا المجال ومع إطلالة عام جديد مبارك فإن انظار أبناء وطننا المعطاء خاصَّة وأبناء خليجنا الوفي عامَّة تتجه أنظارهم وقلوبهم وأفئدتهم إلى مهرجان الجنادريَّة السنوي بكل شوق ولهفة ورغبة ومحبة ومودَّة ومشاركة فاعلة من كافَّة اطياف وشرائح أمتنا الغالية وذلك من أجل نشر ما يملكون من مخزون ثقافي وتراثي عريق على السَّاحة، حيث تتجلى فيه أنواع المورثات الشَّعبيَّة والتَّراثيَّة لكل مدينة ومحافظة وقرية ويتعانق فيها عمق الماضي العريق بالحاضر المفعم بالأمل الصّادق وطموح المستقبل الواعد فالحديث عن التراث من الأمور المحببة إلى النَّفس البشريَّة بشكل عام فكل إنسان مِّنَّا في هذه الحياة يجب أن يشاهد ويسمع عن تراث آبائه وأجداده حيا يراه بأم عينيه حتى يتسنى للأجيال الحاضرة والقادمة معرفة تراث الآباء والأجداد عن قرب إلى جانب التَّأمُّل والتَّفكير والتّدبر واستذكار مآثر نهضتنا الحضاريَّة في ماضيها التّليد وتجديد هويتنا الثَّقافيَّة والحضارية التي تداعت عليها تيارات معادية من كل حدب وصوب حتى تقضي على تراثنا العريق من الوجود ويصبح هذا التراث في طي النِّسيان فتمسك الأُمَّة بتراثها وثقافتها يدل دلالة واضحة على وعيها وحرصها واهتمامها الشديد وعلى تمسكها بهذا التُّراث التَّاريخي المجيد الَّذي سيمد الأجيال عدَّة على مر الأزمنة ويبقى التاريخ شامخاً على مِّر السِّنين والأزمنة دون اندثار، حيث إن إقامة تلك المهرجان يوجد التقارب والتلاحم بين الموروث الشعبي وبين الإنجازات الحضاريَّة العملاقة التي تشاهدها في أنحاء البلاد وذلك من أجل الحفاظ على تراثنا العريق فهذا المهرجان بعد ثمرة جهود جبَّارة تقوم بها اللجنة المشرفة عيه برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -حفظه الله ورعاه- وزير الدولة عضو مجلس الوزراء وزير الحرس الوطني رئيس اللجنة العليا للمهرجان -وكافَّة معاونيه ومشاركيه الذين يعملون ليلاً نهاراً لإظهار هذا المهرجان بالشكل الذي تسعى لهل اللجنة العليا وذلك بتوجيهات كريمة وحكيمة وسديدة من القيادة الرشيدة ففي كل سنة تتحول الجنادريَّة إلى موسم ثقافي عالمي يُجسِّد منابع أصولنا التاريخية والتَّراثيَّة العريقة- وملتقى لكافَّة الأدباء والمفكِّرين والمثقفين والكُتَّاب والنقاد وأصحاب الخبرة والرأي والمشورة والحكمة من داخل البلاد وخارجها وذلك من أجل إثراء المهرجان من أبداعات قرائحهم من بحوث فكريَّة واجتماعيَّة وأدبيَّة وتاريخيَّة وتراثيَّة إلى جانب الالتقاء والتشاور والتباحث في طرح القضايا المتعدِّدة التي تهم عالمنا العربي والإسلامي وتبادل الخبرات والأفكار والآراء في هذه المناسبة الوطنيَّة المتميزة لما تحمله من أهداف سامية تتمثل في مد جسور التواصل والتقارب والتصالح مع الأطراف الأخرى على المحبة والمودَّة حتى تكون ثقافتنا الحضاريَّة وتراثنا العريق جزءاً من العالم المتقدم.
ختاماً: أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يحفظ قائد مسيرتنا وباني نهضتنا خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز آل سعود نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدَّاخليَّة ولي ولي العهد صاحب السّمو الملكي الأمير محمَّد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود النّائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدِّفاع والطيران.
- الرياض