مهرجان الجنادرية هو ملتقى ثقافي وتراثي يعكس عناصر ثقافة المجتمع السعودي. وهو بصدق محل تقدير مجتمعي رسمي وشعبي، إذ تجند مؤسسات الدولة الحكومية والأهلية إمكاناتها للاحتفاء اللائق به، كما أنه يجتذب العديد من الزوار من الداخل. وتتناقل وسائل الإعلام الخليجية والعربية مقتطفات من فعالياته.
يبدأ تأثير الإطار المعرفي للمهرجان من بدايته حيث حفله الخطابي والفني ويستمر، وكل عام تظهر صور تراثية جديدة تضاف لسجل المهرجان. لأنه رصيد معرفي متنام، يتناول ثقافة وحضارة المجتمع خلال فترات زمنية ماضية وحاضرة ويرسم ملامح مستقبل واعد.
والشباب فئة مهمة لأي مجتمع إنساني، وتتصدر نسبتها أعلى فئات المجتمع، إذ تمثل نسبة الشباب في السعودية (60%)، وهذه نسبة مرتفعة، حيث تُشكل اتجاهاتها الحالية وتوجهاتها المستقبلية حيزاً كبيراً ليس في خطط التنمية الشاملة بل لدى صناع التعليم والتثقيف والترفيه في المجتمع.
لقد أسهم الإطار المعرفي المتعلق بالأنشطة التقليدية للمجتمع السعودي، والذي تناولتها -ولا زالت - دورات مهرجان الجنادرية السنوي في صياغة الصورة الذهنية المرغوب فيها لدى الشباب تجاه منهج الآباء والأجداد في الحياة. وتتبلور الصورة الذهنية في عدد من المظاهر، تتوزع إلى ثلاثة جوانب هي: المعرفي والاتجاهي والمهاري.
فمن مظاهر الصورة الذهنية لدى الشباب في الجانب المعرفي: الإحاطة بالقيم الدينية التي حث عليها الدين الإسلامي الحنيف التي كانت محل عناية الأجيال الماضية رغم تأثير العولمة وإفرازاتها لتيارات فكرية مضادة، واستيعابهم لصعوبة حياة الأجيال الماضية، وبالتالي تبرير صمودهم لمواجهتها. ومعرفة النبوغ الذهني للكبار، وذلك في اختراع سبل التكيف مع الحياة الماضية، إذ لاحظوا -ولا زالوا- صوراً تراثية لممارستهم الزراعة والرعي والتجارة، والدفاع عن الأعراض والوطن، والحماية من الأمراض ومعالجتها، والقيم الحاكمة لإحياء المناسبات السارة وغير السارة، والقيم الضابطة للعلاقات الاجتماعية والأسرية، وحفظ نقاط الخصوصية والتمايز عن الآخرين بوصف الثقافة السعودية تفترق عن الثقافات العربية والخليجية في عناصر أخرى كنوع المشكلات التي تواجه الإنسان السعودي، ونوع الأساليب لمواجهة تلك المشكلات، ولهجاته، ولباسه، ومأكله، وتطلعاته، وطريقة الحياة في المجتمع، وطرق التفكير، وأنماط الفكر، والتي هي الأخرى تختلف من مكان إلى آخر في المجتمع الواحد.
ومن مظاهر الصورة الذهنية لديهم في الجانب الاتجاهي: بناء الثقة بالنفس باعتبار أن الإنسان السعودي هو المسيطر الفعلي على عناصر بيئته الطبيعية، والباحث عن وسائل الاستفادة منها، والتكيف معها؛ لتحقيق أغراضه المختلفة. فهو الذي جعل من الصحراء بيئات خضراء وأقام عليها مشاريع تنميته الشاملة، والإيمان بأن الثقافة السعودية لها خاصية التراكمية، إذ إنها لا تهتم بحفظ ونقل التراث الثقافي للأجيال السابقة بل تهتم برصد عناصر خبرة الأجيال المعاصرة وتطلعاتها المستقبلية، وتقدير اتجاه عدد من الجامعات السعودية نحو استحداث أقسام الآثار والمتاحف والسياحة؛ وذلك لدراسة التراث على أسس علمية، ومن مداخل بحثية مختلفة، تسهم في إثراء الأدب السعودي، وتأسيس القناعة بقدرات الأجيال الماضية في تحقيق التوافق بين العنصر المعنوية للثقافة السعودية وهو الموروث الشعبي والعنصر المادي للثقافة ذاتها وهو الانجازات الحضارية التي أوجدتها المملكة العربية السعودية، والمفاخرة بثقافته أمام الآخرين سواء داخل مجتمعه أم خارجه.
ومن مظاهر الصورة الذهنية لديهم في الجانب المهاري: المحافظة على الموروث الثقافي، وتوظفيه بالصياغة في أعمال أدبية وفنية ناجحة في مدرسته أو كليته، والوقوف على مواطن الضعف والقوة في التراث الثقافي، وبالتالي تحسين الضعيف وحفظ القوي من الضياع بل تطويره، وإزالة الحواجز الوهمية بين الإبداع الأدبي والفني وبين الموروث الشعبي.
وإذا كانت هذه بعض من ملامح الصورة الذهنية لدى الشباب عن ثقافة الأجيال الماضية في مختلف شؤون حياتهم، فإن لمجال التربية حديثاً مختلفاً، فمن واقع خبرة تربوية، فإن التربية في الماضية كانت لها رؤية ورسالة وقيم وآليات مختلفة عن التربية المعاصرة.
فقد أدرك الشباب مهارة معلم الأمس في استخدامه مهارات تخطيط الدروس، وإدارة الفصل، ومعاقبة المقصرين، ورحمته في التوجيه، وقدرته في لعب دور القدوة، وفي تفعيل أقواله، وترغيبه الطلاب للدراسة، وترهيبه لهم من ممارسة الخطأ، ومكافأته للمحسنين، وعقابه للمقصرين، وجمال قصصه، وبراعة ضربه للأمثال، وربط الأحداث مع بعضها، وترويحه عن طلابه خلال الحصص والمحاضرات.
وعرف الشباب المكانة الاجتماعية لمعلم الأمس عند طلابه وأسرهم والمجتمع بأسره، الأمر الذي دفع بعضهم للاستغراب من هيبة المعلم وذلك عند مقارنتهم معلم الأمس بحال معلم اليوم.
وميزوا بين مؤهلات معلم الأمس ودوراته التدريبية وراتبه بوضع معلم اليوم وإعداده وتدريبه وسلم رواتبه.
وفرقوا بين الإمكانات التي استخدمها طالب الأمس في المذاكرة، وحل الواجبات، والاستعداد للاختبارات، وطبيعة الأسئلة، والوصول إلى المدرسة والكلية، بحال طالب اليوم الذي يستخدم تقنيات عدة في الوصول إلى المراجع، وكتابة البحوث، وإرسال الواجبات، وأداء الاختبارات، والتواصل مع المعلمين.
هذه بعض من ملامح الصورة الذهنية لدى الشباب التي شكلها مهرجان الجنادرية والتالي تجعل الشباب السعودي يعيشون أجواءً زكية تشتمل على عبق الماضي الجميل وحياة الحاضر الواضح، ورسم المستقبل المشرق.
Malnooh@ksu.edu.sa