خالد بن حمد المالك
العلاقات الدولية، وتحديداً الثنائية منها، لا يضيرها أو يقلل من أهميتها ذلك التباين في وجهات النظر، أو في حال عدم التوافق على رأي واحد في موقف أو أكثر، طالما ظلت العلاقات تقوم على احترام الرأي والرأي الآخر، والشعور لدى الجانبين بأن ما يعززها أكثر بكثير مما يقوضها، وإن مساحة التلاقي في الأهداف والرؤى أكبر مما هي في التباعد، وإن النظر إلى المصالح المشتركة بوعي وإدراك، إنما يعيدها - وإن حادت - إلى مسارها الصحيح، وبخاصة متى ما كان هناك شعور بتأثرها سلباً بسبب موقف أو أكثر.
* *
والعلاقات الثنائية بين المملكة والولايات المتحدة علاقات تاريخية وإستراتيجية، وهناك قواسم مشتركة تجمع بين الدولتين في كل شأن، وفي أكثر من مجال، سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وهي - كما نتوقع - ستكون الأقوى والأشمل في عهدي الملك سلمان والرئيس ترمب، بما لا تأثير سلباً على ما كان شابها من تباين في بعض المواقف في فترات من رئاسة الرئيس أوباما، بعد أن أخذت كل دولة موقفها من الأحداث والتطورات في منطقتنا بما يمليه عليها مصالحها وتحليلها وقراءتها لما يحدث.
* *
وعلى هذا الطريق الذي لا ندعي أنه مفروش بالورود، ولكننا نزعم أنه طريق سالك، ها هو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتصل بالملك سلمان بن عبدالعزيز هاتفياً، ليسبق بهذا الاتصال اللقاء المرتقب بينهما، ويتباحث مع الملك عن الأوضاع في منطقتنا وفي العالم، ضمن نظرته إلى المملكة كقوة مؤثرة، وإلى الملك سلمان شخصياً كشريك في التوصل إلى توافق معه في التعامل مع الملفات الساخنة التي تهم الدولتين والملك والرئيس، بما أفصحت عنه طبيعة المباحثات التي أعلن عنها، ومثلت طمأنة للجميع بالمستقبل الذي سيكون فاعلاً في القضاء على بؤر وأسباب التوتر في هذا الجزء المهم من العالم.
* *
لاحظوا أن الزعيمين ركزا على محاربة الإرهاب، ومواجهة التطرف، وتمويلهما، ووضع الآليات المناسبة لذلك، والتصدي لمن يسعى للتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، وأنهما اتفقا على جدولة الزيارات فيما بينهما في الفترة القادمة، مع تفعيل الشراكة الإستراتيجية للقرن الحادي والعشرين بين بلدينا، ودون أن يستثنيا في مباحثاتهما مراجعة العلاقات التاريخية بين الدولتين الصديقتين، وأهمية الارتقاء بالتعاون الاقتصادي والأمني والعسكري بينهما، ومواجهة من يسعى لزعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة. أي أن الاتصال الهاتفي كان فرصة لإبداء المزيد من العمل، وبما يوازي عمق العلاقات التاريخية والإستراتيجية بين المملكة والولايات المتحدة الأمريكية.
* *
كثيرون راهنوا على أن أمريكا أدارت ظهرها في غير وجهة المملكة، وأن العلاقات الثنائية بين الدولتين يشوبها شيء من الشك حول استمرارها بمستوى ما كانت عليه، وأن فترة الرئيس أوباما مهدت الطريق للرئيس ترمب للإجهاز على هذه العلاقة التاريخية، فإذا بالرئيس ترمب يسارع إلى الاتصال بالملك سلمان، ويبحث معه تفعيل الشراكة في كل المواقف، بما يؤكد بأن ما كان يقال لا يعدو أن يكون تخرّصات وأماني لدى أعداء المملكة، ناسين أو متناسين أن المملكة لا تُبدّل الأصدقاء، ولا تُغيّر من ثوابتها في اختيار الشركاء، وهي منذ عهد الملك عبدالعزيز رأت في مواقف وسياسات أمريكا ما شجعها لبناء هذه الجسور في العلاقات الثنائية بين الدولتين خلال عقود من الزمن، بدليل ما شهدته هذه العلاقات خلال هذه الفترة الزمنية الطويلة -ولا تزال- من التزام أمريكي بما يكون قد تم الاتفاق عليه، مع حرص واشنطن والرياض على ألا تؤثر المواقف العابرة أو الطارئة على هذه العلاقة التاريخية المتميزة.
إن اتصال الرئيس الأمريكي بخادم الحرمين الشريفين يظهر مدى تصميم الزعيمين على تفويت الفرصة على من يريد أن يؤثر سلباً على علاقات الدولتين، وأن عهد الرئيس ترمب سيكون الأكثر انفتاحاً على المملكة في عهد الملك سلمان من خلال زيادة التعاون المشترك، وفي بناء الشراكات الجديدة في المجالات الاقتصادية والأمنية والعسكرية، وهو ما أثار الارتباك لدى المؤسسات الإعلامية والدول وحتى الأفراد الذين كانوا يراهنون على أن فتوراً سوف تتسم به العلاقات السعودية - الأمريكية مع فوز الرئيس ترمب برئاسة الولايات المتحدة، وهو ما جاء نقيضه في هذا الاتصال الهاتفي المميز، ما يعني أنه شكل ضربة قوية لدى من كانوا يمنّون أنفسهم بغير ما أسفرت عنه مباحثات الزعيمين الكبيرين.