إبراهيم عبدالله العمار
كلمة العنوان مما أثار استغرابي لما بدأت أتعلم اللغة الإنغليزية. هذه الكلمة تعني أن تتشعّب، أي أن تحكي عن موضوعٍ ما ثم تخرج عنه. لماذا استغربتُ منها؟ لأنني تعوّدتُ أن هذا طبيعي! ومر هذا عليّ كثيراً منذ صغري، في المدرسة وفي المحاضرات وفي الخُطب والمقابلات، تعوّدنا أن نسمع شخصاً يتكلم عن موضوعٍ ما ثم يأخذه الحديث إلى شيء مختلف تماماً ويسهب فيه.
قد تسمع مُحاضراً يتكلم عن الرياضيات مثلاً، ثم يتكلم عن تاريخ أحد علماء الرياضيات الذي أتى بنظرية شهيرة، ثم يتكلم عن الزمن الذي عاش فيه ذلك العالم، ثم عن وضع العالم السياسي آنذاك، ثم الأديان ذاك الزمن، ثم ثم ثم ثم ثم! وبعد فترة طويلة ضائعة (ممتعة لكن ضائعة) يرجع المحاضر للموضوع الأساسي.
لاحظتُ أن الشيء هذا إذا حصل أثناء كلام شخص غربي فإنه غالباً ينبهك قبل بدء التشعّب، فيقول: «واسمحوا لي أن أخرج عن الموضوع قليلاً»، ثم يتشعب تشعباً ذا علاقة بمحور الكلام، ولا يطيل الخروج عنه، وإذا نسي أن يذكّرهم بهذا فيقول بعد نهاية التشعب: But I digress، وتعني: ولكني خرجت عن الموضوع، ولنعد الآن له.
لما رأيتُ كثرة استخدامها لدى الإنغليز والأمريكان فكرتُ فيها ورأيتُ أنها من أمارات حضارتهم العلمية. أن تُركز على موضوعٍ واحد لا تخرج عنه هو نوع من الالتزام العلمي الذي يطبع كلامك وعملك بطابع الإتقان والتركيز. نعم، أحياناً تتشوّق أن تحكي قصة شيقة أو معلومة ظريفة، ولكن إذا كثرت وطالت فإنها تشتت الكلام وتبعثر الانتباه. وهذا ما رأيتُه في كلامنا نحن العرب، وذلك لما قارنتُ هذا المبدأ مع حرص الغربيين على التركيز على موضوع معيّن وعدم التشعب، فربما أسمع زميلي يتكلم عن موضوع له علاقة بالعمل، ثم مبادئ الإدارة، ثم أسلوب الإدارة الياباني، وما هو إلا قليل حتى يدور الكلام عن معارك قبل مئات السنين ولا ندري كيف وصلنا هناك!
لاحظ نفسك وغيرك: هل تتشعب؟ هل تُشتت كلامك وانتباه المستمع؟