د. خيرية السقاف
أغلقت الغلاف الأخير بعد أن أنجزت بالكاد آخر كلمة في روايتها, جلست القرفصاء تستعيد ملامح الطيوف, والأحداث, الأبواب وحدها في الداخل تتصافق, كأنها الريح تعبث بكل هدوء في حجرات سمعها, ذاكرتها, الوجوه التي بالكاد تتعرفها, بقايا الورق تغرس عيونها في عينيها, صبيب المحبرة فوق مساحات بين عينيها اندمجت بسطورها, فردة حذائها الملطخة بطمي طرقات مبهمة في خريطتها, أقداح أفكار رشفت من بعضها, وتجاوزت بعضها الآخر بملامح باهتة انهالت عليها من صوب دائرة تلفها داخل الغلافين, ألهتها عن إيصاد الأبواب المتصافقة في غسق الليل بين غلافيها, تاهت في سعة البراح المفضي إلى الشوارع المتداخلة في منتهى نظرها, لم تقوَ على الانعتاق من مقابض الأقفال بين يديها, شعرت كأنها في محكمة, تعاقبها الأبواب, وتتمادى, تلاحقها أسئلة الأطياف, وتنزوي, جدران الحجرات تتحلق حولها, تقرب منها تقرب, تختنق, ترمي بمسودة الرواية, تسرع , تفتح باب حجرتها, تخرج تفتح النوافذ, أبواب الحجرات المجاورة, تشعل الأنوار في البيت كله,
الصبح لم يأت, لا تزال خلف النوافذ مصابيح الشوارع تومض, بالكاد تحاول الخلاص من تلك الطيوف, وصرير الأبواب, تهز رأسها بقوة, تتمادى ...
بينما في أول الممر وقف طفلها بشحمه ولحمه, اقتربت منه, تفقّدته بجِلد أصابعها,
أجل خارج الغلافين, إنه هو, تحدث نفسها, وهو يفرك عينيه: «ماما, لا أريد الذهاب للمدرسة»,
ما الذي أيقظك صغيري؟!, صوت الباب, أجابها وعاد لفراشه..!!