علي الصراف
سوف يمكن لمؤرخ المستقبل أن يحصي الكثير مما يصيب الإِنسانية بمشاعر المرارة جراء الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب السوري.
فأن يستخدم النظام السوري أسلحة كيميائية ضد شعبه، عار لا يمكن التستر عليه، ولا الغفران له. وأن تمارس أجهزة النظام القمعية أعمالاً وحشية ضد مئات الآلاف من المعتقلين، عار آخر سيظل وصمة على جبين كل الذين غضوا البصر والبصيرة عما خلفته من جروح لا تندمل.
وأن تستخدم قوات النظام أسلحة ذات طبيعة عشوائية من قبيل البراميل المتفجرة، عار ثالث لن يُمحى من ذاكرة المدن التي تعرضت لخراب شامل، ولا من ذاكرة الجيل الذي عاش المأساة وخاض في تفاصيلها الدامية. وأن تستخدم قوات النظام سياسات التجويع ضد مئات الآلاف من البشر المحاصرين في العشرات من البلدات التي وجد أهاليها أنفسهم وسط تقاطع النيران، عار رابع سيظل يلاحق مرتكبي هذا النمط الجماعي من الجريمة مع كل رغيف خبز يأكلوه.
وأن تدفع الأعمال العسكرية ذات الطبيعة الهمجية إلى تهجير ستة ملايين إِنسان خارج بلدهم، عار خامس ستظل المنازل المهجورة، والسقوف المهدمة شاهداً أزلياً عليه.
المأساوي في كل هذا، هو أنه كان زائدا على الحاجة. ولكنه مثل كل وحشية أخرى، زائد بالفعل حتى على كل ما قد تبرره الرغبة العمياء بالتمسك بسلطة مهترئة.
ولئن كان هناك قهر فسيح ومظالم عريضة دفعت السوريين إلى الاحتجاج والمطالبة بالتغيير، فإنَّ قهر المقهورين وظلم المظلومين، ما كان من الضروري أن يتحول إلى حرب جبانة ضد الملايين دفعة واحدة.
من الجبن أن تستخدم أسلحة كيميائية وأنت تعرف أن هناك مدنيين سوف يدفعون حياتهم ثمنا لها.
ومن الجبن أن تُلقي براميل عمياء على «أهداف» عشوائية لا أنت تراها ولا هي ترى على رأس من ستحط.
ومن الجبن أن تنتهك كل الحرمات مع سجين، ليس لأنه مقيد اليدين فحسب، بل لأنك لن تجني منفعة حقيقية من تعذيبه، سوى أن تسحق القيم الإِنسانية نفسها تحت قدميك.
ومن الجبن أن تحاصر مدناً بالجوع والحرمان من الخبز والحليب وأنت تعرف أن هناك أطفالاً بين المحاصرين لا شأن لهم بأي وجه من وجوه النزاع.
مهما كان حجم التهديد الذي تتعرض له، فإنَّ الدولة يتعين أن تظل دولة. بمعنى أنها تستطيع تجنيد موارد وإمكانيات وخبرات، بشرية ومادية، تغنيها عن التصرف بجبن حيال أي تهديد. ويفترض أن تملي على قواتها أن تخوض الحرب كقوات منظمة تردعها قيود، وتتمسك بمراعاة القيم والقوانين بكل قدر ممكن، وأن تحاسب على الخطأ وتمنع الخروج على المعايير الأخلاقية للقتال.
الجنود تحت السلاح، مجندون على ضوابط صارمة. وعلى أساسها، يجب أن يبتعدوا كلياً عن أي تصرف يقدم وحداتهم المسلحة كقطعان من الذئاب، أو كمجموعات تتصرف على أساس الخوف أو الحقد أو الكراهية.
تلك الأعمال إِذْ دلت على طبيعة مرتكبيها، فإنها كشفت عن طبيعة الحرب نفسها كحرب ذئاب فسحت الطريق للإرهاب، وجمّلت له ما كان يفعله، وجعلت الشعب ضحية على الوجهين معاً.
مهما كانت المصالح أو الدوافع التي وقفت وراء حرب النظام ضد شعبه، فإنَّ تلويثها بهذا المقدار من الأعمال الجبانة، لا بد أن يثير الغثيان في نفس كل شاهد من شهود هذا الفصل من التاريخ، وكل من سيأتي ليؤرخه.